وقد أورد عليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره): بأن العقل لا يفرق في الحكم بالملازمة بين الموصلة وغيرها، نظرا إلى أن ملاك حكمه بالملازمة إنما هو حصول التمكن للمكلف من الإتيان بالواجب من قبل الإتيان بها، وهو مشترك فيه على الفرض بين تمام أنواع المقدمة (1).
وجوابه قد ظهر مما تقدم، حيث بينا أن التمكن المزبور لا يصلح أن يكون ملاكا للوجوب الغيري وداعيا له، لفرض أنه حاصل قبل الإتيان بالمقدمة.
الثاني: أن العقل لا يأبى عن تصريح الآمر بعدم إرادة غير المقدمة الموصلة، ومن الطبيعي أن عدم إباء العقل عن ذلك وتجويزه دليل قطعي على وجوب خصوص المقدمة الموصلة دون مطلق المقدمة، مثلا: يجوز للمولى أن يقول لعبده:
" أريد الحج وأريد المسير الذي يوصل إلى بيت الله الحرام، ولا أريد المسير الذي لا يوصل "، ولا يسوغ له أن يقول: أريد الحج، ولا أريد جميع مقدماته الموصلة وغيرها. كما لا يسوغ له التصريح بعدم إرادة خصوص الموصلة. ومن الواضح أن ذلك كله آية اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة.
وناقش في ذلك صاحب الكفاية (قدس سره): بأنه ليس للمولى الحكيم غير المجازف التصريح بذلك، بعد ما عرفت من أن الغرض مشترك بين الجميع، وهو التمكن (2).
وجوابه يظهر مما تقدم، وأن ما ذكره من الغرض لا يصلح أن يكون غرضا (3) وعليه فلا بأس بهذا التصريح، بل الوجدان أصدق شاهد على جواز ذلك.
الثالث: أن الغرض من إيجاب المقدمة إنما هو إيصالها إلى الواجب ووقوعها في سلسلة علة وجوده، وإلا فلا داعي للمولى في إيجاب المقدمة، فإذا بطبيعة الحال يكون الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة، والوجدان شاهد صدق على ذلك، فإن من أراد شيئا أراد مقدماته التي توصل إليه، وأما ما لا يوصل إليه فهو غير مراد له، مثلا: من أراد الطبيب فبطبيعة الحال أراد مقدماته التي توصل إليه