وأما الأمر الثاني فلأن ما أفاده (قدس سره) إنما يتم فيما إذا كانت القدرة مأخوذة شرعا في المأمور به، وواردة في لسان الخطاب به، وذلك كآية " الحج " (1) بناء على تفسير الاستطاعة بالقدرة كما قيل، وآية " التيمم " (2) بناء على أن يكون المراد من الوجدان فيها القدرة على الاستعمال شرعا، لا عدم الوجود بقرينة ذكر المريض فيها.
والسبب في هذا: هو أنه لا يمكن كشف الملاك في أمثال هذه الموارد إلا في خصوص الحصة المقدورة، وأما الحصة الخارجة عن القدرة فلا طريق لنا إلى إحراز الملاك فيها أصلا.
فالنتيجة: أن في كل مورد كانت القدرة مأخوذة فيه شرعا فالواجب فيه بطبيعة الحال هو خصوص الحصة المقدورة دون غيرها، ودون الجامع بينها وبين غيرها. وأما إذا كانت معتبرة فيه عقلا فلا يتم.
والوجه في ذلك: هو أن المكلف مرة يكون عاجزا عن إتيان تمام أفراد الواجب في الخارج وظرف الامتثال، فعندئذ بطبيعة الحال يسقط عنه التكليف ولا يعقل بقاؤه. ومرة أخرى يكون عاجزا عن امتثال بعض أفراده دون بعضها الآخر كالصلاة - مثلا - حيث إن المكلف يتمكن من امتثالها في ضمن بعض أفرادها العرضية والطولية، ولا يتمكن من امتثالها في ضمن بعضها الآخر كذلك، ففي مثل ذلك لا موجب لتخصيص التكليف بخصوص الحصة المقدورة، بل لا مانع من تعلقه بالجامع بينها وبين الحصة غير المقدورة. وقد تقدم أن الجامع بين المقدور وغيره مقدور، ضرورة أنه يكفي في القدرة عليه القدرة على امتثال فرد منه (3).
وعلى هذا فبما أن اعتبار القدرة في إيجاب المقدمة إنما هو بحكم العقل فلا محالة لا يختص وجوبها بخصوص ما يصدر من المكلف عن إرادة واختيار، بل يعمه وغيره، فإذا كان الواجب هو الطبيعي الجامع كان الإتيان به لا بقصد