وأما بناء على نظرية المشهور - كما هو الحق، وهي: أن حال السبب حال بقية المقدمات فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا - فلأن المصالح والغايات المترتبة على الواجبات ليست قابلة لتعلق التكليف بها، فإن تعلق التكليف بشئ يرتكز على أمرين:
الأول: أن يكون مقدورا للمكلف.
الثاني: أن يكون أمرا عرفيا وقابلا لأن يقع في حيز التكليف بحسب أنظار العرف، وتلك المصالح والأغراض وإن كانت مقدورة له للقدرة على أسبابها إلا أنها ليست مما يفهمه العرف العام، لأنها من الأمور المجهولة عندهم وخارجة عن أذهان عامة الناس، فلا يحسن توجيه التكليف إليها، ضرورة أن العرف لا يرى حسنا في توجه التكليف بالانتهاء عن الفحشاء أو بإعداد النفس للانتهاء عن كل أمر فاحش.
فالنتيجة في نهاية الشوط: هي أنه لا مناص من الالتزام بتعلق الوجوب النفسي بنفس الأفعال دون الغايات المترتبة عليها، فإذا يصدق عليها أنها واجبة لا لأجل واجب آخر، وعليه فلا إشكال.
نعم، تلك الغايات داعية للمولى على إنشاء وجوب تلك الأفعال واعتبارها على ذمة المكلف.
ثم إنه قد يتوهم أن هنا قسما آخر من الواجب لا يكون نفسيا ولا غيريا، وذلك كالمقدمات المفوتة مثل: غسل الجنب ليلا لصوم غد، وركوب الدابة ونحوه للإتيان بالحج في وقته بناء على استحالة الواجب التعليقي.
أما أنه ليس بواجب غيري فلأن الواجب الغيري على مسلك المشهور ما كان وجوبه معلولا لوجوب واجب نفسي ومترشح منه، فلا يعقل وجوبه قبل إيجابه.
وأما أنه ليس بواجب نفسي فلان الواجب النفسي ما يستوجب تركه العقاب، والمفروض أن ترك هذا الواجب لا يستوجب العقاب عليه، وإنما يستحق المكلف على ترك ذي المقدمة.
وأما بناء على ما هو الصحيح - من أن وجوب المقدمة إنما نشأ من ملاك