كذلك يصح إطلاقه على الكلام النفسي الموجود في الذهن، من دون لحاظ عناية في البين. ومن هنا يصح أن يقول القائل: إن في نفسي كلاما لا أريد أن أبديه.
ويشهد على ذلك قوله تعالى: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) * (1)، وقوله تعالى: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * (2)، ونحوهما مما يدلنا على ذلك، وهذا الموجود المرتب في النفس هو الكلام النفسي، ويدل عليه الكلام اللفظي.
وجوابه يظهر مما ذكرناه آنفا: من أن هذا الموجود المرتب في النفس ليس من سنخ الكلام ليكون كلاما نفسيا عند القائلين به، بل هو صورة للكلام اللفظي.
ومن هنا قلنا: إن ذلك لا يختص بالكلام، بل يعم كافة أنواع الأفعال الاختيارية.
وبكلمة واضحة: إن أرادوا به أن يكون لكل فعل فردان: فرد خارجي، وفرد ذهني، ومنه الكلام فهو غير معقول، وذلك لأن قيام الأشياء بالنفس إنما هو بصورها - قياما علميا - لا بواقعها الموضوعي، وإلا لتداخلت المقولات بعضها في بعض، وهو مستحيل.
نعم، الكيفيات النفسانية كالعلم والإرادة ونحوهما قائمة بها بأنفسها وبواقعها الموضوعي، وإلا لذهب إلى ما لا نهاية له. وعليه فلا يكون ما هو الموجود في النفس كلاما حقيقة، بل هو صورة ووجود علمي له.
وإن أرادوا به صورة الكلام اللفظي فقد عرفت أنها من مقولة العلم، وليست بكلام نفسي في شئ، على أنك عرفت أن الكلام النفسي عندهم مدلول للكلام اللفظي، وتلك الصورة ليست مدلولة له كما تقدم (3).
ومن هنا يظهر: أن إطلاق الكلام على هذا المرتب الموجود في النفس مجاز:
إما بعلاقة الأول، أو بعلاقة المشابهة في الصورة.