ثم إنه قد يتوهم أن صورة الكلام اللفظي المتمثلة في أفق النفس هي كلام نفسي، ولكن هذا التوهم خاطئ، لسببين:
الأول: أن هذه الصورة وإن كانت موجودة في أفق النفس ومتمثلة فيه إلا أنها ليست بكلام نفسي، ضرورة أن الكلام النفسي عند القائلين به مدلول للكلام اللفظي، والمفروض أن تلك الصورة بهذا الإطار الخاص ليست كذلك، لما عرفت (1) من أن مدلول الكلام سواء أكان إخباريا أم إنشائيا أجنبي عنها. أضف إلى ذلك ما ذكرناه (2) في محله: من أن الموجود بما هو موجود لا يعقل أن يكون مدلولا للفظ، من دون فرق في ذلك بين الموجود الخارجي والذهني، فإذا لا يمكن أن تكون تلك الصورة مدلولا له لتكون كلاما نفسيا، على أنها لا تختص بخصوص الكلام الصادر عن المتكلم بالاختيار، بل تعم جميع الأفعال الاختيارية بشتى أنواعها وأشكالها، حيث إن صورة كل فعل اختياري متمثلة في أفق النفس قبل وجوده الخارجي.
الثاني: أن هذه الصورة نوع من العلم والتصور، وهو التصور الساذج، وقد تقدم أن الكلام النفسي عندهم صفة أخرى في مقابل صفة العلم والإرادة ونحوهما (3).
وقد تخيل بعضهم أن الكلام النفسي: عبارة عن الطلب المدلول عليه بصيغة الأمر، ولكن هذا الخيال فاسد جدا، والسبب في ذلك: ما حققناه سابقا من أن الطلب وإن كان غير الإرادة مفهوما ومصداقا إلا أنه ليس بكلام نفسي، لما عرفت (4) من أنه عبارة عن التصدي نحو المقصود خارجا، وهو من الأفعال الخارجية، وليس من المفاهيم اللفظية في شئ حتى يدعى أنه كلام نفسي، ومن هنا قلنا: إن الصيغة مصداق للطلب، لا أنها وضعت بإزائه.
فالنتيجة على ضوء هذا البيان أمران: