أما الأول: كما في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" المشيئة محدثة " (1). وصحيحة عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " خلق الله المشيئة بنفسها، ثم خلق الأشياء بالمشيئة " (2).
ومن الطبيعي أن المراد بالمشيئة: هو إعمال القدرة والسلطنة، حيث إنها مخلوقة بنفسها، لا بإعمال قدرة أخرى. وإلا لذهب إلى مالا نهاية له.
وأما الثاني: كما في صحيحة صفوان بن يحيى، قال (عليه السلام): " الإرادة من الخلق الضمير، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي، ولا يهم، ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون، بلا لفظ، ولا نطق بلسان، ولا همة، ولا تفكر، ولا كيف لذلك، كما أنه لا كيف له " (3). فهذه الصحيحة تنص على أن إرادته تعالى هي أمره التكويني.
وأما النقطة الثالثة فهي تامة، لوضوح أن إرادتنا هي الشوق المؤكد الداعي إلى إعمال القدرة والسلطنة نحو إيجاد المراد، وسنبين (4) - إن شاء الله تعالى - أن ملاك كون الأفعال في إطار الاختيار هو صدورها بإعمال القدرة والمشيئة، لا كونها مسبوقة بالإرادة، بداهة أن الإرادة بكافة مقدماتها غير اختيارية، فلا يعقل أن تكون ملاكا لاختياريتها، على أنا نرى وجدانا وبشكل قاطع أن الإرادة ليست علة تامة للأفعال، وسيأتي توضيح هذه النقاط بصورة مفصلة إن شاء الله تعالى.
وأما النقطة الرابعة فيرد عليها: أن الروايات قد دلت على أن إرادته تعالى ليست كعلمه وقدرته ونحوهما من الصفات الذاتية العليا، بل هي فعله وإعمال قدرته كما عرفت.