وجود للمعنى فيه تنزيلا - ومن هنا يسري إليه قبح المعنى وحسنه، وعلى هذا صح أن يفسروا الإنشاء بإيجاد المعنى - خاطئة جدا، وذلك لأن تمامية هذه الدعوى ترتكز على نظرية من يرى كون الوضع عبارة عن الهوهوية، وجعل وجود اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى، ولكن قد ذكرنا في محله: أن هذه النظرية باطلة، وقلنا هناك: إن حقيقة الوضع عبارة عن التعهد والالتزام النفساني (1)، وعليه فلا اتحاد بينهما، لا حقيقة وواقعا، ولا عناية ومجازا ليكون وجود اللفظ وجودا تنزيليا له.
وأما مسألة سراية القبح والحسن فهي لا ترتكز على النظرية المزبورة، بل هي من ناحية كون اللفظ كاشفا عنه ودالا عليه، ومن الطبيعي أنه يكفي لذلك وجود العلاقة الكاشفية بينهما، ولا فرق في وجود هذه العلاقة بين نظرية دون أخرى في مسألة الوضع.
وبعد ذلك نقول: إن مدلول الجمل الإنشائية على كلتا النظريتين ليس من سنخ الكلام النفسي عند القائلين به.
أما على نظرية المشهور فواضح، لما عرفت من أن الكلام النفسي عندهم: عبارة عن صفة قائمة بالنفس في مقابل سائر الصفات النفسانية، وقديم كغيرها من الصفات الأزلية (2). وبطبيعة الحال أن إيجاد المعنى باللفظ فاقد لهاتين الركيزتين معا.
أما الركيزة الأولى فلأنه ليس من الأمور النفسانية ليكون قائما بها.
وأما الثانية فلفرض أنه حادث بحدوث اللفظ، وليس بقديم.
وأما على نظريتنا فأيضا الأمر كذلك، فإن إبراز الأمر الاعتباري ليس من الأمور النفسانية أيضا.
فالنتيجة لحد الآن: أنه لا يعقل في موارد الجمل الخبرية والإنشائية ما يصلح أن يكون من سنخ الكلام النفسي، ومن هنا قلنا: إنه لا يخرج عن مجرد وهم وخيال، فلا واقع موضوعي له.