وإن شئت قلت: إن هذه الهيئات وما شاكلها لا تصدق على من قام عليه المبدأ قيام الفعل بالفاعل، وإنما تصدق على من قام عليه المبدأ قيام الصفة بالموصوف.
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: أن الذي دعا الأشاعرة إلى الالتزام بالكلام النفسي هو تصحيح متكلميته تعالى في مقابل بقية صفاته، فإن الكلام اللفظي حيث إنه حادث لا يعقل قيامه بذاته تعالى قيام الصفة بالموصوف، لاستحالة كون ذاته تعالى محلا للحوادث.
فالنتيجة على ضوئهما: هي أن كلامه تعالى نفسي لا لفظي.
ولنأخذ بالمناقشة في هذا الدليل نقضا وحلا:
أما الأول: فلا ريب في أن الله تعالى متكلم بكلام لفظي، وقد دلت على ذلك عدة من الآيات والروايات:
منها: قوله تعالى: * (إنما أمره إذا أرد شيئا أن يقول له كن فيكون) * (1)، فإن قوله: " كن فيكون " كلامه تعالى، ومن هنا لا نظن أن الأشاعرة ينكرون ذلك، بل قد تقدم أنهم معترفون به (2). وعليه، فما هو المبرر لهم في إطلاق المتكلم بالكلام اللفظي عليه تعالى هو المبرر لنا.
وأما الثاني: فلأن المتكلم ليس مشتقا اصطلاحيا، لفرض عدم المبدأ له. بل هو نظير هيئة: اللابن، والتامر، والمتقمص، والمتنعل، والبقال، وما شاكل ذلك، فإن المبدأ فيها من أسماء الأعيان، والذوات، وهو اللبن، والتمر، والقميص، والنعل، والبقل، ولكن باعتبار اتخاذ الشخص هذه الأمور حرفة وشغلا ولازما له صارت مربوطة به، ولأجل هذا الارتباط صح إطلاق هذه الهيئات عليه.
نعم، إنها مشتقات جعلية باعتبار جعلية مبادئها ومصادرها. والسبب في ذلك: أن الكلم ليس مصدرا للمتكلم، لفرض أن معناه: الجرح لا الكلام، وكلم ليس