وأما النقطة الثانية: فقد ظهر نقدها مما أوردناه على النقطة الأولى، وذلك لما عرفت من أن الطلب عنوان للفعل الخارجي أو الذهني، وليس منشأ بمادة الأمر، أو بصيغتها، أو ما شاكلها. فإذا لا موضوع لما أفاده (قدس سره): من أن الطلب الإنشائي عين الإرادة الانشائية.
ومن هنا يظهر حال النقطة الثالثة، فإنها إنما تتم إذا كانت متوفرة لأمرين:
الأول: القول بأن الطلب منشأ بالصيغة، أو نحوها.
الثاني: القول بالإرادة الإنشائية في مقابل الإرادة الحقيقية، ولكن كلا القولين خاطئ جدا.
وأما النقطة الرابعة: (1) فالأمر وإن كان كما أفاده (قدس سره) إلا أن عدم تحقق الطلب حقيقة ليس بملاك عدم تحقق الإرادة كذلك في أمثال الموارد، بل بملاك ما عرفت من أن الطلب عنوان لمبرز الإرادة ومظهرها من قول أو فعل، وحيث لا إرادة هاهنا فلا مظهر لها حتى يتصف بعنوان الطلب.
وعلى ضوء هذا البيان يظهر فساد ما قيل: من أن الطلب والإرادة متباينان مفهوما ومتحدان مصداقا وخارجا (2)، ووجه الظهور ما عرفت من تباينهما مفهوما ومصداقا، فلا يمكن صدقهما في الخارج على شئ واحد كما مر بشكل واضح.
ثم لا يخفى أن غرض صاحب الكفاية (قدس سره) من هذه المحاولة نفي الكلام النفسي الذي يقول به الأشاعرة، بتخيل أن القول بتغاير الطلب والإرادة يستلزم القول بثبوت صفة أخرى غير الصفات المعروفة المشهورة، وبطبيعة الحال أن مرد ذلك هو التصديق بما يقوله الأشاعرة من الكلام النفسي.
ولكن قد عرفت أن هذه المحاولة غير ناجحة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: أنا سنذكر بعد قليل: أن نفي الكلام النفسي لا يرتكز على القول باتحاد الطلب والإرادة، حيث إنا نقول بتغايرهما، فمع ذلك نبرهن بصورة قاطعة بطلان محاولة الأشاعرة لإثبات أن كلامه تعالى نفسي لا لفظي (3).