والسبب في ذلك أولا: ما تقدم من أن الإرادة بمعنى الشوق المؤكد لا تعقل في ذاته تعالى. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد سبق أن تفسير الإرادة بصفة الرضا والابتهاج تفسير خاطئ لا واقع له.
ومن ناحية ثالثة: أنا لا نتصور لإرادته تعالى معنى غير إعمال القدرة والسلطنة.
وثانيا: قد دلت الروايات الكثيرة على أن إرادته تعالى فعله، كما نص به قوله سبحانه: * (إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * (1). وليس في شئ من هذه الروايات إيماء، فضلا عن الدلالة على أن له تعالى إرادة ذاتية أيضا، بل فيها ما يدل على نفي كون إرادته سبحانه ذاتية، كصحيحة عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: لم يزل الله مريدا؟ " قال: إن المريد لا يكون إلا لمراد معه، لم يزل الله عالما قادرا ثم أراد " (2).
ورواية الجعفري قال: قال الرضا (عليه السلام): " المشيئة من صفات الأفعال، فمن زعم أن الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد " (3). فهاتان الروايتان تنصان على نفي الإرادة الذاتية عنه سبحانه.
ثم إن سلطنته تعالى حيث كانت تامة من كافة الجهات والنواحي ولا يتصور النقص فيها أبدا فبطبيعة الحال يتحقق الفعل في الخارج، ويوجد بصرف إعمالها من دون توقفه على أية مقدمة أخرى خارجة عن ذاته تعالى، كما هو مقتضى قوله سبحانه: " إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ".
وقد عبر عن هذا المعنى في الروايات تارة بالمشيئة، وتارة أخرى بالإحداث والفعل.