وأما المورد الثاني: وهو ما إذا سلمنا أن المقابلة بين الإطلاق والتقييد مقابلة العدم والملكة لا الضدين، وافترضنا أن التقييد في محل الكلام مستحيل لتمامية الوجوه المتقدمة أو بعضها فهل تستلزم استحالة التقييد استحالة الإطلاق أم لا؟
قولان:
قد اختار شيخنا الأستاذ (قدس سره) القول الأول، بدعوى: أن لازم كون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة اعتبار كون المورد قابلا للتقييد، فما لم يكن قابلا له لم يكن قابلا للإطلاق أيضا (1).
ولكن الصحيح: هو أن استحالة التقييد بشئ في مرحلة الثبوت تستلزم ضرورة الإطلاق فيها، أو ضرورة التقييد بخلافه. فلنا دعويان:
الأولى: بطلان ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره).
الثانية: صحة ما قلناه.
أما الدعوى الأولى: فهي خاطئة نقضا وحلا.
أما نقضا فبعدة موارد:
منها: أن الإنسان جاهل بحقيقة ذات الواجب تعالى، ولا يتمكن من الإحاطة بكنه ذاته سبحانه حتى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وذلك لاستحالة إحاطة الممكن بالواجب، فإذا كان علم الإنسان بذاته تعالى مستحيلا لكان جهله بها ضروريا، مع أن التقابل بين الجهل والعلم من تقابل العدم والملكة، فلو كانت استحالة أحدهما تستلزم استحالة الآخر لزم استحالة الجهل في مفروض المقام، مع أنه ضروري وجدانا.
ومنها: أن الإنسان يستحيل أن يكون قادرا على الطيران في السماء، مع أن عجزه عنه ضروري وليس بمستحيل، فلو كانت استحالة أحد المتقابلين بتقابل العدم والملكة تستلزم استحالة الآخر لكانت استحالة القدرة في مفروض المثال تستلزم استحالة العجز، مع أن الأمر ليس كذلك.
ومنها: أن كل أحد يستطيع - مثلا - حفظ صفحة أو أكثر من أي كتاب شاء