وبكلمة أخرى: أن المكلف وإن لم يتمكن من الإتيان بها بداعي أمرها قبل إنشائه وفي ظرفه إلا أنه متمكن منه كذلك في ظرف الامتثال. وقد أشرنا: أن المعتبر في باب التكاليف إنما هو القدرة على امتثالها في هذا الظرف دون ظرف الإنشاء، فلو افترضنا أن المكلف غير متمكن في ظرف الإنشاء ولكنه متمكن في ظرف الامتثال صح تكليفه (1).
فالنتيجة: أن التشريع يقوم على أساس أن يكون المأخوذ في المتعلق هو داعوية الأمر النفسي الاستقلالي. وعدم القدرة يقوم على أساس أن يكون المعتبر هو القدرة على متعلقات الأحكام من حين الأمر. وقد عرفت أنه لا واقع موضوعي لكلا الأمرين (2)، فإذا لا يلزم من أخذه في المتعلق من المحذورين المزبورين كما هو واضح.
وأما الوجه الثالث: فلأنه أيضا مبتن على أن يكون المأخوذ في المتعلق هو قصد الأمر النفسي الاستقلالي، فعندئذ بطبيعة الحال يلزم من فرض وجوده عدمه، وذلك لأن معنى أخذ داعوية الأمر بالصلاة في متعلقه: هو أن الصلاة جزء الواجب، فإذا كانت جزء الواجب فلا محالة الأمر المتعلق بها ضمني لا استقلالي، فإذن يلزم من وجوده عدمه، وهو محال. ولكن قد عرفت أن المأخوذ فيه إنما هو قصد الأمر الضمني (3)، وعليه فلا موضوع لهذا الوجه كما هو واضح.
وأما الوجه الرابع: فلأنه يقوم على أساس أن يكون ما اخذ داعويته في متعلق الأمر كالصلاة - مثلا - عين ما يدعو إليه، فعندئذ بطبيعة الحال يلزم داعوية الأمر لداعوية نفسه.
ولكن قد ظهر من ضوء ما حققناه: أن الأمر ليس كذلك، فإن المأخوذ في المتعلق إنما هو داعوية الأمر الضمني، وما يدعو إلى داعويته إنما هو أمر ضمني آخر. ومن الطبيعي أنه لا مانع من أن يكون أحد أمرين متعلقا لأمر آخر ويدعو