ولكن قد ذكرنا في مبحث الإنشاء: أن هذه النظرية ساقطة فلا واقع موضوعي لها، وقلنا: إن اللفظ لا يعقل أن يكون موجدا للمعنى، لا حقيقة ولا اعتبارا (1).
ومن ذلك فسرنا حقيقة الإنشاء هناك بتفسير آخر، وحاصله: هو أن الإنشاء عبارة عن اعتبار الأمر النفساني وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكل ذلك.
وعلى ضوء هذا التفسير لا مانع من الالتزام بتعدد المعنى لصيغة الأمر.
بيان ذلك: أن الصيغة على هذا موضوعة للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، ومن الطبيعي أن ذلك يختلف باختلاف الموارد ويتعدد بتعدد المعاني، ففي كل مورد تستعمل الصيغة في معنى يختلف عن استعمالها في معنى آخر في المورد الثاني ويغايره...، وهكذا.
فإن المتكلم تارة يقصد بها إبراز ما في نفسه من اعتبار المادة على ذمة المخاطب.
واخرى إبراز ما في نفسه من التهديد.
وثالثة إبراز ما في نفسه من السخرية أو التعجيز أو ما شاكل ذلك. فالصيغة على الأول مصداق للطلب والبعث الاعتباريين. وعلى الثاني مصداق للتهديد كذلك. وعلى الثالث مصداق للسخرية، وهكذا. ومن الواضح أنها في كل مورد من تلك الموارد تبرز معنى يباين لما تبرز في المورد الثاني ويغايره.
ثم بعد أن كانت الصيغة تستعمل في معان متعددة - كما عرفت - فهل هي موضوعة بإزائها على نحو الاشتراك اللفظي، أو موضوعة لواحد منها ويكون استعمالها في غيره مجازا؟ وجهان، الظاهر هو الثاني، وذلك لأن المتبادر من الصيغة عند إطلاقها هو إبراز اعتبار الفعل على ذمة المكلف في الخارج. وأما إرادة إبراز التهديد منها أو السخرية أو الاستهزاء أو نحو ذلك فتحتاج إلى نصب قرينة،