الثالثة: أن تقسيم المشيئة إلى مشيئة ذاتية - وهي عين ذاته تعالى - والى مشيئة فعلية - وهي الوجود الإطلاقي المنبسط كما عن الفلاسفة وشيخنا المحقق (1) (قدس سره) - قد تقدم (2) نقده بشكل موسع، وقلنا هناك: إن هذا التقسيم يقوم على أساس أن تكون نسبة الأشياء إلى ذاته الأزلية نسبة المعلول إلى العلة التامة من كافة الجهات والنواحي، لا نسبة الفعل إلى الفاعل المختار. وقد سبق نقد هذا الأساس بصورة موضوعية، وأقمنا البرهان على أنه لا واقع له في أفعاله تعالى.
الرابعة: أن الأشاعرة قد استدلوا على الجبر بعدة وجوه. وقد تقدم المناقشة في تمام تلك الوجوه، وبينا عدم دلالة شئ منها على ذلك (3).
الخامسة: أن ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري: من أن عادة الله تعالى قد جرت على أن يوجد في العبد فعله مقارنا لإيجاد القدرة والاختيار فيه فيكون فعل العبد مخلوقا له تعالى إبداعا وإحداثا قد تقدم نقده بشكل موسع، وقلنا هناك: إنه لا يرجع إلى معنى صحيح، لا في المعاليل الطبيعية، ولا في الأفعال الاختيارية (4).
السادسة: المعروف بين الفلاسفة قديما وحديثا أن الأفعال الاختيارية بشتى أنواعها مسبوقة بالإرادة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: أنها إذا بلغت حدها التام تكون علة تامة لها. وتبعهم على ذلك جماعة من الأصوليين. وقد تقدم المناقشة في ذلك بصورة مفصلة، وأقمنا البرهان مضافا إلى الوجدان: أن الإرادة لا تعقل أن تكون علة تامة للفعل. هذا من جانب. ومن جانب آخر: قد أثبتنا أن الأفعال الاختيارية بكافة أنواعها مسبوقة بإعمال القدرة والسلطنة (5).
السابعة: أن قاعدة " أن الشئ ما لم يجب لم يوجد " تختص بالمعاليل الطبيعية فلا تعم الأفعال الاختيارية، وذلك لما بيناه هناك: من أن تلك القاعدة تقوم على أساس مسألة التناسب (6) التي هي الحجر الأساسي لمبدأ تأثير العلة