____________________
أما الأول: فمضافا إلى ما تقدم في ضمن البحوث السالفة بصورة مفصلة (نقد نظرية الجبر وإثبات الاختيار): أن السعادة والشقاوة لو كانتا كذلك لزم هدم أساس كافة الشرائع والأديان، وأصبح كون بعث الرسل وإنزال الكتب لغوا محضا فلا تترتب عليه أية فائدة (1). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: لزم من ذلك هدم أساس التحسين والتقبيح العقليين اللذين قد التزم بهما العقلاء لحفظ نظم حياتهم المادية والمعنوية وإبقاء نوعهم.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أنه لا يمكن الالتزام بذلك.
وأما الثاني: فلأن الوجدان حاكم بالاختيار، وأنه ليس في كمون ذات الإنسان ما يجبره على اختيار الكفر والعصيان مرة، واختيار الإيمان والإطاعة مرة أخرى. وأضف إلى ذلك أن في المشاهد والمحسوس الخارجي القضاء الحاسم على تلك الدعوى، حيث إننا نرى شخصا واحدا كان شقيا في أول عمره وصار سعيدا في آخره، أو بالعكس، فلو كانت السعادة والشقاوة ذاتيتين فكيف يعقل تغييرهما، لاستحالة تغيير الذاتي وانقلابه؟
وأما الكتاب: فمضافا إلى أنه بنفسه شاهد صدق على بطلان هذه الفرضية فقد دلت عدة من الآيات الكريمة على نظرية الاختيار والأمر بين الأمرين، وبطلان نظرية الجبر، وأن الأعمال الصادرة عن الإنسان تصدر بالاختيار، لا بالقهر والجبر، كما تقدم (2) التكلم في جملة منها في ضمن البحوث السابقة. ولو كانت السعادة والشقاوة ذاتيتين له بالمعنى المتقدم لكان مقهورا في أعماله ومجبورا فيها.
وأما السنة: فقد نصت الروايات المتواترة على خطأ نظريتي الجبر والتفويض، وإثبات نظرية الاختيار والأمر بين الأمرين. ومن الطبيعي أن فيها القضاء المبرم على هذه الفرضية.
وأضف إلى ذلك: أن هاتين الصفتين لو كانتا ذاتيتين بالمعنى المزبور لكان الأمر بالدعاء وطلب التوفيق من الله تعالى، وحسن العاقبة، وأن يجعل تعالى الشقي سعيدا لغوا محضا كان مجرد لقلقة لسان، بداهة استحالة انقلاب الذاتي وتغييره عما يقتضيه، فإذا في نفس هذه الأدعية شاهد صدق على بطلانها.
فالنتيجة: أن الذاتي بهذا المعنى غير معقول.
وإن أراد بالذاتي الذاتي بمعنى الاقتضاء فهو وإن كان أمرا ممكنا في نفسه، وليس فيه القضاء الحاسم على أساس كافة النظم الإنسانية: المادية والمعنوية، السماوية وغيرها، وكما ليس على خلافه حكم العقل والوجدان إلا أن المستفاد من بعض الأدعية أنهما ليستا بذاتيتين بهذا المعنى أيضا، وذلك لما ورد فيها (3) من أن الشقي يطلب من الله تعالى أن يجعله سعيدا، فلو كانت الشقاوة
ومن ناحية أخرى: لزم من ذلك هدم أساس التحسين والتقبيح العقليين اللذين قد التزم بهما العقلاء لحفظ نظم حياتهم المادية والمعنوية وإبقاء نوعهم.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أنه لا يمكن الالتزام بذلك.
وأما الثاني: فلأن الوجدان حاكم بالاختيار، وأنه ليس في كمون ذات الإنسان ما يجبره على اختيار الكفر والعصيان مرة، واختيار الإيمان والإطاعة مرة أخرى. وأضف إلى ذلك أن في المشاهد والمحسوس الخارجي القضاء الحاسم على تلك الدعوى، حيث إننا نرى شخصا واحدا كان شقيا في أول عمره وصار سعيدا في آخره، أو بالعكس، فلو كانت السعادة والشقاوة ذاتيتين فكيف يعقل تغييرهما، لاستحالة تغيير الذاتي وانقلابه؟
وأما الكتاب: فمضافا إلى أنه بنفسه شاهد صدق على بطلان هذه الفرضية فقد دلت عدة من الآيات الكريمة على نظرية الاختيار والأمر بين الأمرين، وبطلان نظرية الجبر، وأن الأعمال الصادرة عن الإنسان تصدر بالاختيار، لا بالقهر والجبر، كما تقدم (2) التكلم في جملة منها في ضمن البحوث السابقة. ولو كانت السعادة والشقاوة ذاتيتين له بالمعنى المتقدم لكان مقهورا في أعماله ومجبورا فيها.
وأما السنة: فقد نصت الروايات المتواترة على خطأ نظريتي الجبر والتفويض، وإثبات نظرية الاختيار والأمر بين الأمرين. ومن الطبيعي أن فيها القضاء المبرم على هذه الفرضية.
وأضف إلى ذلك: أن هاتين الصفتين لو كانتا ذاتيتين بالمعنى المزبور لكان الأمر بالدعاء وطلب التوفيق من الله تعالى، وحسن العاقبة، وأن يجعل تعالى الشقي سعيدا لغوا محضا كان مجرد لقلقة لسان، بداهة استحالة انقلاب الذاتي وتغييره عما يقتضيه، فإذا في نفس هذه الأدعية شاهد صدق على بطلانها.
فالنتيجة: أن الذاتي بهذا المعنى غير معقول.
وإن أراد بالذاتي الذاتي بمعنى الاقتضاء فهو وإن كان أمرا ممكنا في نفسه، وليس فيه القضاء الحاسم على أساس كافة النظم الإنسانية: المادية والمعنوية، السماوية وغيرها، وكما ليس على خلافه حكم العقل والوجدان إلا أن المستفاد من بعض الأدعية أنهما ليستا بذاتيتين بهذا المعنى أيضا، وذلك لما ورد فيها (3) من أن الشقي يطلب من الله تعالى أن يجعله سعيدا، فلو كانت الشقاوة