وعلى الجملة: فقيام السيرة إنما يدل على كون الوجوب مستفادا منها، وأما كون ذلك بالوضع، أو بالإطلاق، أو من ناحية حكم العقل فلا يدل على شئ منها.
وأما ما ذكره (قدس سره): من أن استعمال الصيغة في الندب أكثر من استعمالها في الوجوب فهو غير بعيد.
وأما ما أفاده (قدس سره): من أن كثرة الاستعمال في المعنى المجازي إذا كانت مع القرينة لا تمنع عن الحمل على الحقيقة إذا تجرد الكلام عنها وإن كان متينا جدا بحسب الكبرى إلا أن استشهاده (قدس سره) على تلك الكبرى بالعام والخاص في غير محله، وذلك لأن كثرة الاستعمال في المقام إذا افترضنا أنها مانعة عن الحمل على الحقيقة، إلا أنها لا تمنع في العام والخاص، وذلك لأن لصيغ العموم أوضاعا متعددة حسب تعدد تلك الصيغ، وعليه فلابد من ملاحظة كثرة الاستعمال في كل صيغة على حدة وبنفسها. ومن الطبيعي أن كثرة الاستعمال في الخاص في إحدى هذه الصيغ لا تمنع عن حمل الصيغة الأخرى على العموم، مثلا: كثرة استعمال لفظة " الكل " في الخاص لا تمنع عن ظهور الجمع المحلى باللام في العموم...، وهكذا.
وبكلمة أخرى: أن كثرة استعمال العام في الخاص تمتاز عن كثرة استعمال صيغة الأمر في الندب بنقطة، وهي: أن القضية الأولى تنحل بانحلال صيغ العموم وأدواته، فيكون لكل صيغة منها وضع مستقل غير مربوط بوضع صيغة أخرى منها، ولذلك لابد من ملاحظة الكثرة في كل واحدة منها بنفسها مع قطع النظر عن الأخرى، وهي تمنع عن الحمل على الحقيقة فيها دون غيرها.
وهذا بخلاف صيغة الأمر، حيث إن لها وضعا واحدا، فبطبيعة الحال كثرة استعمالها في الندب تمنع عن حملها على الوجوب بناء على الفرضية المتقدمة.
هذا، مضافا إلى أن ذلك ينافي ما التزمه (قدس سره) في مبحث العموم والخصوص (1):
من أن التخصيص لا يوجب التجوز في العام واستعماله في الخاص، بل هو دائما