وأجاب عن ذلك أولا: بأن استعمالها في الندب لا يزيد على استعمالها في الوجوب لتكون كثرة الاستعمال فيه مانعة عن ظهورها في الوجوب.
وثانيا: أن كثرة استعمال اللفظ في المعنى المجازي مع القرينة لا تمنع عن حمله على المعنى الحقيقي عند إطلاقه مجردا عنها، وما نحن فيه كذلك، فإن كثرة استعمال الصيغة في الندب مع القرينة لا تمنع عن حملها على الوجوب إذا كانت خالية عنها.
ثم استشهد على ذلك بكثرة استعمال العام في الخاص، حتى قيل: " ما من عام إلا وقد خص "، ومع هذه الكثرة لا ينثلم ظهور العام في العموم إذا ورد في الكتاب والسنة ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخاص (1).
ولنأخذ بالمناقشة على ما أفاده (قدس سره):
أما ما ذكره: من أن المتبادر من الصيغة عرفا الوجوب فيمكن نقده: بأنه إنما يكون علامة للحقيقة إذا كان مستندا إلى حاق اللفظ ونفسه، ضرورة أن مجرد انفهام المعنى من اللفظ لا يكون علامة لكونه حقيقة فيه.
وفيما نحن فيه المتبادر لدى العرف من الصيغة وإن كان هو الوجوب إلا أنا لا نعلم استناده إلى حاق اللفظ، لاحتمال أن يكون ذلك من جهة الإطلاق ومقدمات الحكمة كما اختاره بعض الأعاظم (2).
ويحتمل أن يكون ذلك من جهة حكم العقل كما اخترناه (3). ومن الطبيعي أن التبادر مع هذا الاحتمال لا يكون دليلا على الحقيقة.
ومن هنا يظهر الكلام فيما ذكره من التأييد بقيام السيرة العقلائية على الذم عند المخالفة، فإنه وإن كان مسلما إلا أنه لا يدل على كون الوجوب مدلولا وضعيا للصيغة ومتبادرا منها عرفا، بل لعله لحكم العقل بذلك، أو للإطلاق ومقدمات الحكمة.