بالضرورة؟! من غير فرق بين ما كانت الحرمة متعلقة بالسبب، أو المسبب، أو غير ذلك، لأن مبغوضية كل واحد من هذه الجهات، توجب السراية إلى الجهة الأخرى، ولا يمكن حينئذ الجمع بينها وبين الرضا والطيب المتعلق بالآخر، لعدم إمكان التفكيك بينها، وقد تبين في محله: أن المتلازمين لا يمكن أن يكونا محكومين بالحكمين المتخالفين، أو محكومين بالحب والبغض والرضا والكراهة (1)، ولا شبهة في تلازم السبب والمسبب، أو تلازم الحكم والموضوع وهكذا، فتحريم البيع الانشائي لا يجتمع مع الرضا والطيب النفساني المتعلق بترتب الأثر عليه.
لا يقال: قد اشتهر جواز كون الإيجاد مبغوضا، دون الوجود البقائي، كما في تصوير ذوات الأرواح وتجسيمها، فإن المحرم حسبما ذهب إليه جمع هو الإيجاد المصدري، وأما الوجود الحاصل المصدري فهو أيضا - لما لا ينفك عن الإيجاد - محرم، ولكن الوجود البقائي المستند إلى المادة والهيولي يكون حلالا وجائزا، ويجوز اقتناؤها وبيعها (2)، فعليه لا بأس بأن يقاس ما نحن فيه بذلك، فيكون البيع الانشائي والإيجادي محرما ومبغوضا، ولكن البيع المسببي الباقي ببقاء العوضين يكون ممضى.
لأنا نقول: هذا ما يوجد في كلمات جمع منهم، إلا أنه غير تام، ضرورة أنه في المثال لا يكون الإيجاد أو السببية اعتباريين حتى يتقوما بالإمضاء، فلا مانع من التفكيك المزبور عقلا، وأما فيما نحن فيه فلا يتم، لما عرفت من أن الإيجاد والسببية لا يتم إلا بضم الرضا والطيب، وهذا لا يجتمع مع الكراهة الشديدة المستكشفة بالنهي التحريمي.