الوجه الثاني:
لا يعتبر قيد المندوحة في صحة نزاع الاجتماع والامتناع في مرحلة الجعل والإنشاء، لأن البحوث الأصولية تكون فرضية وحيثية، فالأمر والنهي فرضيان، والبحث حيثي، أي يكون حول أن الأمر المتعلق بشئ، والنهي المتعلق بالعنوان الآخر، هل يتداخلان وتلزم الوحدة في المتعلق في وعاء الجعل، أو في وعاء الخارج، ويتجاوزان إلى أنفسهما، أم لا؟ ولا يلزم المحالية من هذه الجهة، وأما لزوم الاستحالة من المناشئ الاخر فلا ربط له بهذه المسألة.
أقول: وأنت خبير بعدم التهافت بين المقالتين، الأولى وهذه الثانية الظاهرة من " الكفاية " (1) وبعض المحشين (2)، لأن المفروض في الأولى أن الأمر والنهي الفعليين، هل يعقل اجتماعهما في المجمع، أم لا؟ والفعلية منوطة بالقدرة، وهي لا تكون إلا مع المندوحة، والمفروض في الثانية عدم الفعلية، وأن البحث حيثي، فكلاهما يقبلان اعتبار القيد ولا اعتباره، حسب اختلاف نظرهما إلى المسألة وإلى الجواز الفعلي ولا جوازه، فلا تخلط.
ومن هنا يظهر: أن القائلين بصغروية النزاع، إن كانوا يبحثون بحثا حيثيا - وهو امتناع اجتماع الأحكام المتضادة في المجمع وعدمه، وامتناع السراية وعدمه، من غير النظر إلى الجهة الأخرى - فلا بد وأن لا يعتبروا قيد المندوحة.
وإن كانوا ناظرين إلى الأمر والنهي الفعليين، وأنهما لا يسريان إلى متعلق الآخر، ولا يتعانقان في المجمع، فلا بد وأن يكون الأمر فعليا، وهو عندهم لا يعقل إلا مع القدرة على الامتثال، فلا بد من وجود المندوحة، فمناط اعتبار قيد المندوحة