يتعرض له بسوء. وإنما قيل ذو القعدة: لقعودهم فيه عن القتال. وقيل في تقديره وجهان أحدهما: إنه قتال شهر الحرام أي: في الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. وقيل: إنه الشهر الحرام على جهة العوض لما فات في السنة الأولى، ومعناه: الشهر الحرام ذو القعدة الذي دخلتم فيه مكة، واعتمرتم وقضيتم منها وطركم في سنة سبع، بالشهر الحرام ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت ومنعتم عن مرادكم في سنة ست.
(والحرمات قصاص) قيل فيه قولان أحدهما: إن الحرمات قصاص بالمراغمة بدخول البيت في الشهر الحرام. قال مجاهد: لأن قريشا فخرت بردها رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " عام الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة، فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه وبينه وهو معنى قتادة والضحاك والربيع وعبد الرحمن بن زيد. وروي عن ابن عباس وأبي جعفر الباقر مثله والثاني: إن الحرمات قصاص بالقتال في الشهر الحرام أي: لا يجوز للمسلمين إلا قصاصا. قال الحسن: إن مشركي العرب قالوا لرسول الله: أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال: نعم. وإنما أراد المشركون أن يغروه (1) في الشهر الحرام فيقاتلوه، فأنزل الله هذا أي: إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا، فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم، وبه قال الزجاج والجبائي. وإنما جمع الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر، وحرمة البلد، وحرمة الإحرام. وقيل: لأن كل حرمة تستحل فلا يجوز إلا على وجه المجازاة.
(فمن اعتدى عليكم) أي: ظلمكم (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أي: فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثله والثاني ليس باعتداء على الحقيقة، ولكن سماه اعتداء لأنه مجازاة اعتداء، وجعله مثله وإن كان ذلك جورا وهذا عدلا، لأنه مثله في الجنس، وفي مقدار الاستحقاق، ولأنه ضرر كما أن ذاك ضرر فهو مثله في الجنس والمقدار والصفة (واتقوا الله) فيما أمركم به، ونهاكم عنه (واعلموا أن الله مع المتقين) بالنصرة لهم، أو يريد أن نصرة الله معهم. وأصل (مع) المصاحبة في المكان أو الزمان. وفي هذه الآية دلالة على أن من غصب شيئا وأتلفه، يلزمه رد مثله. ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة في ذوات الأمثال، ومن طريق المعنى كالقيم فيما لا مثل له.