أي: ابتليناك ابتلاء على أثر ابتلاء. ومنها: العذاب، كقوله: جعل فتنة الناس كعذاب الله. ومنها: الصد عن الدين، نحو قوله (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) والمراد بها في الآية الشرك بالله وبرسوله.
الاعراب: حيث: فيه ثلاث لغات: ضم الثاء وفتحها وكسرها. فالضم لشبهها بالغاية نحو قبل وبعد، لأنه منع الإضافة إلى المفرد مع لزومه معنى الإضافة إياه، فيجري لذلك مجرى قبل وبعد في البناء على الضم والفتح، لأجل البناء، كما فتحت أين وكيف. والكسر: لأجل أنه الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين، والجملة بعد (حيث) في موضع جر بإضافة (حيث) إليها في الموضعين. (وتقاتلوا) منصوب بإضمار أن، وهو صلة أن، والموصول والصلة في محل جر بحتى. وحتى: يتعلق بتقاتلوهم.
النزول: نزلت في سبب رجل من الصحابة قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام، فعابوا المؤمنين بذلك، فبين الله سبحانه أن الفتنة في الدين، وهو الشرك، أعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام، وإن كان غير جائز.
المعنى: ثم خاطب الله تعالى المؤمنين، مبينا لهم كيفية القتال مع الكافرين، فقال: (واقتلوهم) أي: الكفار (حيث ثقفتموهم) أي: وجدتموهم.
(وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) يعني: أخرجوهم من مكة، كما أخرجوكم منها.
(والفتنة أشد من القتل) أي: شركهم بالله وبرسوله، أعظم من القتل في الشهر الحرام. وسمي الكفر فتنة، لأن الكفر يؤدي إلى الهلاك، كما أن الفتنة تؤدي إلى الهلاك. وقيل: لأن الكفر فساد يظهر عند الاختبار. وقوله: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) نهى عن ابتدائهم بقتال أو قتل في الحرم، حتى يبتدئ المشركون بذلك.
(فإن قاتلوكم) أي: بدأوكم بذلك (فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) أن يقتلوا حيث ما وجدوا. وفي الآية دلالة على وجوب اخراج الكفار من مكة، كقوله (حتى لا تكون فتنة). والسنة قد وردت أيضا بذلك وهو قوله: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ".
(فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم [192]).