مبتدأ وخبر، وهو اسم دال على المضاف إليه كثير في الكلام، حذف المضاف إليه منه عند البصريين، ولا يجيزون إنا كلا فيها على الصفة، وأجازه الكوفيون، لأنه إنما حذف عندهم لدلالته عليه، اسما كان أو صفة، وإنما بني قبل على الغاية، ولم يبن كل، وإن حذف من كل واحد منهما المضاف إليه، لأن قبل ظرف يعرف وينكر، ففرق بين ذلك بالبناء الذي يدل على تعريفه بالمضاف إليه، والإعراب الذي يدل على تنكيره بالانفصال. وليس كذلك كل لأنه معرفة في الإفراد دون نكرة. فأما ليس غير فمشبه بحسب لما فيه من معنى الأمر.
المعنى: لما تقدم بيان إنزال القران، عقبه ببيان كيفية إنزاله، فقال: (هو الذي أنزل عليك) يا محمد (الكتاب) أي: القرآن (منه) أي: من الكتاب (آيات محكمات هن أم الكتاب) أي: أصل الكتاب (وأخر متشابهات) قيل في المحكم والمتشابه أقوال أحدها: إن المحكم ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه، ولا دلالة تدل على المراد به، لوضوحه، نحو قوله تعالى (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولا يظلم مثقال ذرة) ونحو ذلك، مما لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل.
والمتشابه: ما لا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدل على المراد منه لالتباسه نحو قوله (وأضله الله على علم) فإنه يفارق قوله: (وأضلهم السامري)، لأن إضلال السامري قبيح، وإضلال الله تعالى حسن. وهذا معنى قول مجاهد:
المحكم ما لم تشتبه معانيه، والمتشابه: ما اشتبهت معانيه. وإنما يقع الاشتباه في أمور الدين، كالتوحيد ونفي التشبيه والجور. ألا ترى أن قوله (ثم استوى على العرش) يحتمل في اللغة أن يكون كاستواء الجالس على سريره، وأن يكون بمعنى القهر والاستيلاء. والوجه الأول لا يجوز عليه سبحانه.
وثانيها: إن المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، عن ابن عباس وثالثها: إن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه: ما يحتمل وجهين فصاعدا، عن محمد بن جعفر بن الزبير، وأبي علي الجبائي. ورابعها: إن المحكم ما لم تتكرر ألفاظه، والمتشابه: ما تتكرر ألفاظه كقصة موسى، وغير ذلك، عن ابن زيد وخامسها: إن المحكم ما يعلم تعيين تأويله، والمتشابه: ما لا يعلم تعيين تأويله، كقيام الساعة، عن جابر بن عبد الله.
وإنما وحد أم الكتاب ولم يقل هن أمهات الكتاب لوجهين أحدهما: إنه على