لم يجزم قطعه من الأول، وقطعه منه على أحد وجهين: إما أن يجعل الفعل خبرا لمبتدأ محذوف، وإما أن يعطف جملة من فعل وفاعل على ما تقدمها.
المعنى: (لله ما في السماوات وما في الأرض) اللام لام الملك أي: له تصريف السماوات والأرض، وما فيهما، وتدبيرهما، لقدرته على ذلك، ولأنه الذي أبدعهما وأنشأهما. فجميع ذلك ملكه، وما ملكه يصرفه كما يشاء (وإن تبدوا ما في أنفسكم) وتعلنوه أي: تظهروا ما في أنفسكم من الطاعة، والمعصية (أو تخفوه) أي: تكتموه (يحاسبكم به الله) أي: يعلم الله ذلك، فيجازيكم عليه. وقيل:
معناه إن تظهروا الشهادة أو تكتموها، فإن الله يعلم ذلك، ويجازيكم به، عن ابن عباس وجماعة. وقيل: إنها عامة في الأحكام التي تقدم ذكرها في السورة. خوفهم الله سبحانه من العمل بخلافها.
وقال قوم: إن هذه الآية منسوخة بقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، ورووا في ذلك خبرا ضعيفا. وهذا لا يصح لأن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز، فكيف ينسخ؟ وإنما المراد بالآية ما يتناوله الأمر والنهي، من الاعتقادات والإرادات وغير ذلك مما هو مستور عنا. فأما ما لا يدخل في التكليف من الوساوس والهواجس، وما لا يمكن التحفظ عنه من الخواطر، فخارج عنه لدلالة العقل، ولقوله " صلى الله عليه وآله وسلم ": " تجوز لهذه الأمة عن نسيانها، وما حدثت به أنفسها ". فعلى هذا يجوز أن تكون الآية الثانية بينت للأولى، وأزالت توهم من صرف ذلك إلى غير وجهه، وظن أن ما يخطر بالبال، أو تتحدث به النفس، مما لا يتعلق بالتكليف، فإن الله يؤاخذ به، والأمر بخلاف ذلك.
وقوله (فيغفر لمن يشاء) أي: يغفر لمن يشاء منهم، رحمة وفضلا.
(ويعذب من يشاء) منهم ممن يستحق العقاب عدلا (والله على كل شئ قدير) من المغفرة والعذاب، عن ابن عباس. ولفظ الآية عام في جميع الأشياء. والقول فيما يخطر بالبال من المعاصي إن الله تعالى لا يؤاخذ به، وإنما يؤاخذ بما يعزم الانسان ويعقد قلبه عليه، مع إمكان التحفظ عنه، فيصير من أفعال القلب، فيجازيه به كما يجازيه بأفعال الجوارح. وإنما يجازيه جزاء العزم، لا جزاء عين تلك المعصية، لأنه لم يباشرها. وهذا بخلاف العزم على الطاعة، فإن العازم على فعل الطاعة يجازى على عزمه ذلك، جزاء تلك الطاعة، كما جاء في الأخبار: " إن المنتظر للصلاة في