ظهرت ناره. وذاك من نجل ينجل إذا استخرج لما في الكتابين من معرفة الحلال والحرام. وكما قيل لكتاب نبينا " صلى الله عليه وآله وسلم " الفرقان، لأنه فرق بين الحق والباطل.
فالمعاني كما ترى معتنقة، وكلها الإظهار والإبراز، والفرق بين الأشياء. وقال علي بن عيسى: النجل الأصل، فكأن الإنجيل أصل من أصول العلم. وقال غيره:
النجل الفرع، ومنه قيل للولد نجل. فكأن الإنجيل فرع على التوراة يستخرج منها.
وقال ابن فضال: هو من النجل وهو من السعة، يقال: عين نجلاء، وطعنة نجلاء.
وكأنه قد وسع عليهم في الإنجيل ما ضيق على أهل التوراة، وكل محتمل.
الاعراب: (مصدقا): نصب على الحال. وقوله: (من قبل) أي: من قبل إنزال الكتاب. فلما قطعه عن الإضافة، بناه على الضم. وموضع (هدى) نصب على الحال من التوراة والإنجيل أي: هاديين. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هما هدى.
النزول: قال الكلبي، ومحمد بن إسحاق، والربيع بن أنس: نزلت أوائل السورة إلى نيف وثمانين آية في وفد نجران، وكانوا ستين راكبا، قدموا على رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم "، وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم: العاقب أمير القوم، وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح. والسيد ثمالهم، وصاحب رحلهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مدارسهم. وكان قد شرف فيهم، ودرس كتبهم، وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه، وبنوا له الكنائس، لعلمه واجتهاده.
فقدموا على رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " المدينة، ودخلوا مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات، جبب وأردية في جمال رجال بلحرث (1) بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم ": ما رأينا وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس، وقاموا فصلوا في مسجد رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " فقالت الصحابة: يا رسول الله! هذا في مسجدك؟ فقال رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم ": دعوهم فصلوا إلى المشرق. فتكلم السيد والعاقب إلى رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم "، فقال لهما رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم ": أسلما. قالا: قد أسلمنا قبلك. قال: كذبتما يمنعكما من الاسلام