الخطاب. ومن اختار الياء: فللتصرف - في الكلام، والانتقال من خطاب المواجهة إلى الخبر بلفظ الغائب، ويؤيده قوله: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)، (قل للذين آمنوا يغفروا) وقيل: إن الخطاب لليهود، والضمير في (ستغلبون) للمشركين، لأن اليهود أظهروا السرور بما كان من المشركين يوم أحد فعلى هذا لا يكون إلا بالياء، لأن المشركين غيب.
اللغة: الحشر: الجمع مع سوق، ومنه يقال للنبي: الحاشر، لأنه يحشر الناس على قدميه، كأنه يقدمهم، وهم خلفه، لأنه آخر الأنبياء، فيحشر الناس في زمانه وملته. وجهنم: اسم من أسماء النار. وقيل: أخذ من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر. والمهاد: القرار، وهي الموضع الذي يتمهد فيه أي: ينام فيه مثل الفراش.
النزول: روى محمد بن إسحاق بن يسار عن رجاله قال: لما أصاب رسول الله قريشا ببدر، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق قينقاع فقال: يا معشر اليهود!
إحذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، وقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم! فقالوا: يا محمد! لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا (1)، لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله هذه الآية.
وروي أيضا عن عكرمة، وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، ورواه أصحابنا أيضا. وقيل: نزلت في مشركي مكة: ستغلبون يوم بدر، عن مقاتل. وقيل: بل نزلت في اليهود، لما قتل الكفار ببدر وهزموا قالت اليهود: إنه النبي الأمي الذي بشرنا به موسى، ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنه لا ترد له راية. ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة أخرى.
فلما كان يوم أحد، ونكب أصحاب رسول الله، شكوا وقالوا: لا والله ما هو به. فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا. وقد كان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدة لم تنقض، فنقضوا ذلك العهد قبل أجله، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة في ستين راكبا، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول الله، لتكونن كلمتنا واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة. فأنزل الله فيهم هذه الآية، عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.