الحال كالفرح باطلاع الغير على العبادات الخالصة التي أداها في الخلوة بينه وبين ربه مع كمال التحفظ عن الرياء والمبالغة في الستر والكتمان ولكن لو اتفق اطلاع الناس عليها فرح بذلك ووجد في نفسه سرورا وارتياحا فهذا الفرح يدل على عرق خفي من الرياء مستكن في القلب إذ لولا التفاته إلى الناس لما ظهر عليه هذا الأثر من اطلاعهم على عبادته وهو من المضايق التي تتعسر جدا السلامة عنها فإن الفرح بظهور الخير كالطبيعة الثانية ومن ثم ورد أنه معفو ففي الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن الرجل يعمل العمل من الخير فيراه انسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن يصنع ذلك لذلك وفي المحجة والحقايق أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني فقال لك أجران أجر السر وأجر العلانية وربما تلتذ النفس بهذه اللذة فتتقاضاها إذا فقدتها وتتحرك إليها حركة خفيفة فتتكلف لها سببا كالتعريض في طي الكلام للاظهار وإن أمسكت عن التصريح به كقوله إن في جيران المسجد لعرسا كانوا يغنون البارحة إلى الصباح يؤذن بذلك أنه كان متهجدا ليلته في المسجد وربما يقع التعريض بغير النطق من الأحوال كالخفوق في الغدوات التي تقام لياليها وتبريد الأطراف بالماء في الأيام الصيفية التي تصام ونحو ذلك وهذا دون الأول في الخفاء ودونه أن يجد من نفسه أنه يحب إذا رأى الناس أن يؤدي عمله على أحسن الوجوه وأكملها ويخاف أن يكون ذلك من الرياء الممقوت فيدعوه الاحتراز عنه إلى تحسين الأداء في الخلاء أيضا لئلا يخالف أدائه في الملأ فيكون قد سوى بين الحالين زعما منه التخلص بذلك عن الرياء الذي هو الالتفات إلى الخلق وهو في الحالين مشغول القلب بهم وهذا سر ما ورد في الحديث النبوي لا يكمل ايمان العبد حتى يكون الناس عنده بمنزلة الأباعر ودون الجميع أن يسوي بين الحالين في تحسين الأداء ليتزين في الأعين بما اعتاده من طول التكلف والممارسة في الخلاء والملاء من ظهور أثر الخشوع في الأعضاء وهذا مما يكاد يلحق بأفراده الجلية وليس هذا من التزين الذي سبق عليه الحكم بالإباحة بل هو من الرياء المحرم وإن كان بعض أفراده أوضح منه كما أن الأمراض الطبيعية بعضها أوضح من بعض والعلاج الحاسم لجميع أنواعه قلع أسبابه عن القلب وهي حب الجاه وحب المدح وكراهة الذم وهي أشد مما قبلها فإن الانسان قد يصبر عن لذة المدح ولا يصبر على ألم الذم وقطع الطمع عما في أيدي الناس فإن حب المال من الدواهي العظيمة الجارة إلى فواحش كثيرة من جملتها الرياء فالمتقيد بتصحيح مزاج ايمانه عن هذا الداء الدفين يتحرى التدبيرات المعمولة في المعالجات الطبية فيبادر إلى قلع المادة أولا ثم الحمية واستعمال المقويات المعيدة للاعتدال الصحي فيزيل الأسباب المذكورة بما سبق ذكره فيما سبق ويحتمي بالتزام اخفاء العمل عن الأعين واغلاق الأبواب دونه كما تغلق الأبواب دون الفواحش حتى يقنع القلب بعلم الله واطلاعه عليه ولا تنازع النفس إلى طلب علم غيره وهذا وإن شق في بداية المجاهدة لكن إذا استمر عليه ولو متكلفا سقط عنه ثقله وهان عليه بتواصل ألطاف الله وما يمد به عباده من حسن التوفيق والتأييد فعلى العبد المجاهدة ومن الله الهداية ويقوى أمره بالمداومة على ذكر فوائد الاخلاص لتشتد إليه رغبته وآفات الرياء ليفر عنه ميله فما أقبح من لا يكتفي بنظره (تع) في ساعة من العمل المعيوب و يتحرى نظر الخلق إليه مع علمه بأن ذلك يسقطه عن نظره (تع) وباعه بخسيس فإن لا يدري هل يحصل له أم لا فإن المنزلة المطلوبة للمرائي غير مقطوعة الحصول وأعرض عن بيعه بثواب الدارين المرجو عند الله بالاخلاص فإن الآخرة مبذولة لمن أخلص عمله لله وأما الدنيا فتأتيه وهي راغمة كما قال تعالى فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وقال عز من قابل من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة إشارة إلى أن المريد بعمله ثواب الدنيا مغبون محروم وأنه لو أراد به وجه الله لكان أوفى ثوابا وأعظم نفعا وعن النبي صلى الله عليه وآله إن الله يعطي الدنيا بعمل الآخرة ولا يعطي الآخرة بعمل الدنيا وربما حرمهما المرائي جميعا وهو الغالب وإذ قد عرفت حال إظهار العمل من جهة الرياء وأن الفرح بظهوره لا يخلو عن شوب ما وإن كان معفوا فاعلم أنه ربما يحمدان إذا كان الملحوظ فيهما جهة أخرى راجحة من الجهات الممكنة فتحمد الفرحة بالظهور ومن جهة دلالته على حسن نظر الله إليه ولطفه (تع) به باخفاء الذنوب واظهار الطاعات فإنه يخفيهما جميعا ثم الله يظهر له الجميل ويستر عليه القبيح فيكون فرحه بجميل نظر الله له لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم وقد قال الله (تع) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا فهو من الفرح المأمور به لأن إظهار الجميل مع ستر القبيح من مخايل القبول أو من جهة دلالته في الدنيا على أنه تعالى يفعل به كذلك في الآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة وعنايته سبحانه بعباده عظيمة فيهما وفي الحديث النبوي ما ستر الله على عبد ذنبا في الدنيا إلا وستره عليه في الآخرة فيكون الأول فرحا بالقبول في الحال وهذا التفات إلى المستقبل أو من جهة أنه ممن يقتدى به فيظن رغبة المطلعين إلى الاقتداء به في الطاعة فيضاعف له الأجر بذلك فيكون له أجر العلانية بما ظهر آخر أو أجر السر بما قصده أولا ومن اقتدى به في طاعة فله مثل أجر أعمال المقتدين به من غير أن ينقص من أجورهم شئ أو من جهة أن المطلعين يحبونه ويثنون عليه فيكونون قد أطاعوا الله فيه إذا حبوا رجلا من أهل الايمان والعبادة ففرحه ليس من أجل محبتهم له من حيث إنها محبة له بل فرح بحسن ايمان عباد الله حيث إنهم يثابون بمحبته والثناء عليه ويعرف الاخلاص في هذا النوع الذي هو من محال الغرور بتسوية مدحه ومدح صالح غيره في الفرح بهما ومقداره فإن فقدت التسوية فليعلم أنها من مكايد الشيطان ويحمد الاظهار فيما يمكن اخفاؤه من الأعمال للترغيب إن كان من أهله سواء كان بنفس العمل كالصدقة في الملأ أو التحدث به بعد ذلك ما تحفظ عن الزيادة فورد في المتفق عليه من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ونقل عن كثير من السلف التظاهر بالعمل لذلك فإن النفوس العامية
(٧٨)