مدد الوجود ونفس الرحمن إليه على الدوام بلا انقطاع حتى يبقى موجودا به وهذا هو الاتصال وحينئذ لا فرق بينه وبين حبيبه كما في حديث أمير المؤمنين (ع) إن لله (تع) شرابا لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا طابوا وإذا طابوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا طلبوا وإذا طلبوا وجدوا وإذا وجدوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم و بين حبيبهم وهو من محال الغرور ومظان التلبيس والحازم لا يغتر بخداع النفس مهما ادعت محبة الله ما لم يمتحنها بالعلامات ولم يطالبها بشواهد الصدق فإن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا وعلامتها كثيرة والمذكور منها بضعة وأن تداخل بعضها ببعض منها كتمانها واجتناب الدعوى والتوقي من إظهار الوجد والعشق تعظيما للمحبوب واجلالا له وهيبة منه وغيرة على سره فإن الحب سر من أسرار الحبيب لا يسوغ ابتذاله وفي هذا المعنى ما قيل كل كفت ببلبل مكن إظهار محبت سهل است متاعي كه بفرياد فروشند ولأنه قد يدخل في الدعوى ما يجاوز حد المعنى ويزيد عليه فيكون ذلك كذبا تعظم العقوبة عليه نعم قد يكون للمحب سكرة في حبه يدهش فيها وتضطرب أحواله فيقع في مقام الشطح ويظهر عليه حبه فإن وقع ذلك من غير تمحل وقصد فهو معذور إذ ربما تشتعل من الحب نيرانه فلا يطاق سلطانه وقد يفيض به القلب فلا يندفع فيضانه ومنها حب الموت فإنه موعد للقاء إلا أن ينتظر حسن التأهب كما تقدم ومنها الإطاعة في الأوامر و النواهي وايثار ما أحبه الله على ما يحبه في ظاهره وباطنه كما قال القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمري في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع وفي كلام بعضهم إن العصيان إنما ينافي كمال المحبة دون أصلها إذ لا يخلو عنها مؤمن وذلك كالمريض يحب نفسه ويحب الصحة وربما يأكل ما يضره وهو يعلم أنه يضره لا لعدم حبه لنفسه ولكن المعرفة قد تضعف والشهوة قد تغلب فتعجز عن القيام بحق المحبة ومنها التلذذ بالعبادة دون استثقالها كما يوجد في المشاهدات من نشاط العاشق في السعي في هوى المعشوق والاستلذاذ بخدمته بقلبه وإن كان شاقا على بدنه و مهما عجز بدنه كان أحب الأشياء إليه أن يعاوده القدرة ويفارقه العجز حتى يشتغل به وأعلى منه التلذذ بالمصيبة والشكر عليها فإن كل ما يفعل الحبيب حبيب كما مر ومنها الحرص في الخلوة عن الخلق والمناجاة مع الله بالسر وتلاوة القرآن فيغتنم هدو الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق وفي بعض الآثار إن الله أوحى إلى بعض الصديقين أن لي عبادا من عبادي يحبونني وأحبهم ويشتاقون إلي و أشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وانظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك قال يا رب وما علامتهم قال عز وجل يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعي الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب وإذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلي أقدامهم وفرشوا إلي جباههم وناجوني بكلامي وتملقوني بانعامي فبين صارخ وباك ومتأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد الحديث ومنها الاستهتار بالذكر وهو الوقوع به بحيث لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه فإن من أحب شيئا أكثر بالضرورة ذكره وذكر ما يتعلق به وينتسب إليه لسراية المحبة من المحبوب إلى متعلقاته فذكر القرآن والنبي والأئمة كله في حكم ذكر الله ومنها بغض الدنيا لأنها مبغوضة إليه (تع) كما ورد أن الله لم يخلق شيئا أبغض إليه من الدنيا وأنه لم ينظر إليها منذ خلقها ولأنها صادة له عن المحبوب فهي كالرقيب المبغوض إلى العاشق وقد عرفت معنى الدنيا المبغوضة فيما سبق ومنها الوحشة عن الخلق لأنهم وإن صحبوا الدنيا بأبدانهم فأرواحهم معلقة بالملأ الأعلى ولأن في الأنس بالخلق وصحبتهم لوازم يتتره المحبون عنها كالتعلق بالدنيا والاشتغال عن الحبيب والدخول فيما يخرج عن رضاه إلى سخطه ويجر إلى مقته وغير ذلك من المفاسد وأما الأنس بأولياء الله والمرشدين والمسترشدين للاستفادة من بركاتهم و الاستفاضة من خيراتهم فهو من الأنس بالله وعليه يحمل ما ورد في الحث على الصحبة والمواصلة وزيارة الإخوان وقضاء الحقوق ونحو ذلك كما يأتي ومنها اتحاد الهم كما قال القايل كانت لنفسي أهواء مفرقة فاستجمعت إذ رأتك النفس أهوائي فصار يحسدني من كنت أحسده فصرت مولى الورى مذ صرت مولائي تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بذكرك يا ديني ودنيائي وفي دعاء سيد الشهداء صلوات الله عليه أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك وطريقها السلوك وهو السير عن النفس إلى الله على الصراط المستقيم بقدم الصدق وزاد التقوى واتباع الرسول صلى الله عليه وآله المستجلب لمحبته (تع) للعبد كما قال سبحانه قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وهي الجاذبة إلى حرم العزة في حضائر القدس المقربة على بساط الانبساط والأنس وبدونها تضل المساعي وتخيب ولا حظ إلا الحرمان ولا نصيب كما قيل تا كه از جانب معشوقه نباشد كششي كوشش عاشق بيچاره بجائي نرسد والمتأمل في عرض مراتب العشق الصوري والإلهي ومقاماتهما وانطباق كل على الآخر ينكشف له أن العشق الصوري أقوى معين في تهذيب النفس وتلطيف السر وتصفية الروح وتوحيد الهموم والاعداد للعشق الإلهي لمن سبقت لهم من الله الحسنى وهذا حقيقة ما قيل المجاز قنطرة الحقيقة ومعناها كشف حجاب البعد عن قلبه واتمام نوره ودعوته أن يغشى مجلس شهوده و مونس حضوره وسقيه من الشراب الذي سبق وصفه في حديث أمير المؤمنين (ع) جرعة تفرق عنه الأوصال ولا يصحو من سكرته إلا في مقام الاتصال وقد طوى بساط المغايرة من البين و