من باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباء وكحرف الأنبياء والأوصياء السلف مثل النجر حرفة نوح (ع) والخياطة حرفة إدريس (ع) والقصر حرفة الحواريين والرعي حرفة موسى (ع) وورد أنه ما من نبي إلا وقد رعى الغنم تمرينا لهم من الله على رعاية العوام الذي كالأنعام والكتابة حرفة أمير المؤمنين (ع) ومنه ما هو حرام كالرهانة في كل ما يقامر عليه كالنرد والشطرنج والأربعة عشر وغيرها حتى الكعاب والجوز فإن ذلك كله من الميسر كما في الصحيح وغيره إلا في ثلاثة فورد في الحديث النبوي وغيره لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر واختلف النقلة في فتح الباء و اسكانها والذي صححه المصنف وغيره هو الأول بمعنى المال المجعول للسابق وعليه بناء الاستشهاد وأما على الثاني فإنما يدل على عدم جواز المسابقة في غير الثلاثة وجوازها فيها من غير دلالة على حكم المال المكسوب نفيا ولا اثباتا والربا فإنه من الكباير كما تقدم وورد في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إن درهما منه أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم فإن قلت لا ريب أن أمر الفروج أفحش من الأموال والتشديد عليها في الشريعة المطهرة أكثر والمفاسد المترتبة عليها من اختلاط الأنساب وذهاب الحياء وتقوية الشطر البهيمي من النفس وتضعيف الشطر الملكي وغير ذلك فظيعة جدا والزاني بذات محرم حده القتل فكيف يعقل أن يربو على سبعين منه درهم واحد من الربا قلت المتأمل في شدة احتياج الخلق إلى النقود والأجناس الربوية وأن معاش النوع الانساني لا ينتظم إلا بالمعاملة والمعاوضة ينكشف له أن عناية الشارع الحكيم بضبط طرق المعاوضات شديدة جدا ابقاء على الضعفاء عن أن يحطمهم الأقوياء فإن النفوس الانسانية بسبب ما فيها من الطباع الربوي متشوقة إلى معنى الإحاطة والاتحاد الجمعي كما سبق سيما ما فاز منها بحظ من ذلك وذاق من لذته ومذقه فإن ذلك مما يثير الأشواق التي ربما كانت كامنة قبل و يقوى الداعي إلى الاستكمال وطلب الزيادة ومن ثم ترى الأغنياء غالبا أحرص على اكتساب الأموال واستنمائها من الفقراء البائسين ولو أذن لهم في الشريعة في ذلك كيف ما اتفق لبقي دواعي النفوس المشغوفة بالزيادة مطلقة في جهات التحصيل فيعظم الفساد وكذا لو سومح معهم في المنع عن بعض أنواعه المحظورة فإنه بقدر قوة الداعي أو أكثر يجب تقوية المانع حتى يتعاوقا ويندفع المحذور كما في الأمراض الطبيعية وهذه الضابطة مطردة كلية يعرفها الخائض في أسرار الشريعة وقد أشرنا إليها فيما مضى أيضا فاقتضى النظر الإلهي التحذير التام والتوعيد العظيم على قليل الربا وكثيره والتشديد في أمره بمقايسة إلى ما تقرر في النفوس قبحه وارتكز في العقول تفاحشه من الزنا بذات محرم وبيان أنه يزيد عليه أضعافا مضاعفة لا من باب المبالغة الجزافية بل على وجه الحقيقة والحكمة والمصلحة الراجحة الصائبة الصادقة فإن الذنوب كلها وإن كانت مشتركة في تسويد القلب والتبعيد عن باب الرحمة والاخلال بمصالح الدارين إلا أن لكل منها أثرا خاصا في تضعيف الايمان والتعريض لنوع من العقوبة ومن ثم قسمت في الأخبار إلى مغيرة في النعم ومورثة للندم ومنزلة للنقم وحابسة للرزق وهاتكة للستر ومعجلة للفناء وهذا كما كما أن السموم والأغذية المضرة وإن كانت كلها متشاركة في نهك البدن واستجلاب الضرر إلا أنها متفاوتة في ذلك تفاوتا لا ينكر فإن منها ما يضر بالقلب أكثر من غيره ومنها ما يضر بالكبد أكثر ومنها بالدماغ وبالعين وبآلات التناسل وسائر الأعضاء الشريفة ومنها ما يضر البشرة أو يؤثر بالهزال وغير ذلك ومن ثم وقع تقسيمها إلى صغاير وكبائر ثم تعيين أكبر الكباير كل ذلك بحسب آثارها وخواصها المختلفة وكما أنه يجب على المعتني بحفظ صحته اجتناب جميع السموم والمضرات كذلك يجب على المؤمن المعتني بكمال ايمانه اجتناب الذنوب بأسرها ولأجل اختلافها في الخواص والآثار يمكن الحكم تارة على السرقة مثلا بأنها أشد من الزنا أي بحسب أثرها المترتبة عليها دونه وإن كان يترتب عليها أثر آخر من جنس آخر وتارة على الزنا بأنه أشد من السرقة أي بحسب أثره الخاص كذلك أيضا كما أنه يصدق القول بأن سم العقرب مثلا أشد من الجرارة أي بحسب شدة الوجع وآثاره القلق ويصدق أيضا القول بأن سم الجرارة أشد من العقرب أي بحسب طول التعب وامتداد الأذى وبطؤ البرء ونحو ذلك من الاعتبارات المختلفة وأكثر ما ورد في الأخبار من التفضيلات المختلفة بحسب الظاهر مبتنية على هذا الوجه في باب المعاصي وفي باب الطاعات أيضا فإنها وإن كانت متشاركة في تنوير القلب وتكميل الايمان والتعريض للرحمة إلا أنها متفاوتة في آثارها المختصة فيصدق أن الصلاة أفضل الأعمال والحج أفضل الأعمال وبر الوالدين كذلك وأن فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر ونحو ذلك كما يصدق أن الخبز خير الأغذية واللحم كذلك والفواكه كذلك وهكذا نظرا إلى أن الأثر المقصود من كل منها في تقوية البدن لا يترتب على غيره وإن ترتب عليها أثر آخر و لاختلاف الأشخاص والأحوال في ذلك مدخل عظيم فإن الدواعي والصوارف عن الطاعات و المعاصي جميعا تختلف اختلافا عظيما وكلام الشارع الحكيم مما خوطب به عموم المكلفين فمقتضى الحكمة القاء الكلام على وجه يكون للكل فيه نصيب والتشديد في أمر الربا جدا إذا تداعت الحال الانذار عنه في بعض المقامات لا ينافي التشديد في أمر الزنا في مقام آخر بل كلاهما مطابقان للحكمة والبلاغة التي هي رعاية مقتضى الحال وهذا أصل عظيم النفع ومن الكسب الحرام أخذ ثمن الخمر والنبيذ المسكر والميتة والكلب إلا ما استثنى وأجور الفواحش كمهر البغي وأجر الكاهن والاستجعال في المعصية والرشا في الحكم فإنها جميعا سحت كما تقدم وورد في بعض الأخبار
(٢٢٥)