التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - الصفحة ٢٢٥
من باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباء وكحرف الأنبياء والأوصياء السلف مثل النجر حرفة نوح (ع) والخياطة حرفة إدريس (ع) والقصر حرفة الحواريين والرعي حرفة موسى (ع) وورد أنه ما من نبي إلا وقد رعى الغنم تمرينا لهم من الله على رعاية العوام الذي كالأنعام والكتابة حرفة أمير المؤمنين (ع) ومنه ما هو حرام كالرهانة في كل ما يقامر عليه كالنرد والشطرنج والأربعة عشر وغيرها حتى الكعاب والجوز فإن ذلك كله من الميسر كما في الصحيح وغيره إلا في ثلاثة فورد في الحديث النبوي وغيره لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر واختلف النقلة في فتح الباء و اسكانها والذي صححه المصنف وغيره هو الأول بمعنى المال المجعول للسابق وعليه بناء الاستشهاد وأما على الثاني فإنما يدل على عدم جواز المسابقة في غير الثلاثة وجوازها فيها من غير دلالة على حكم المال المكسوب نفيا ولا اثباتا والربا فإنه من الكباير كما تقدم وورد في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) إن درهما منه أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم فإن قلت لا ريب أن أمر الفروج أفحش من الأموال والتشديد عليها في الشريعة المطهرة أكثر والمفاسد المترتبة عليها من اختلاط الأنساب وذهاب الحياء وتقوية الشطر البهيمي من النفس وتضعيف الشطر الملكي وغير ذلك فظيعة جدا والزاني بذات محرم حده القتل فكيف يعقل أن يربو على سبعين منه درهم واحد من الربا قلت المتأمل في شدة احتياج الخلق إلى النقود والأجناس الربوية وأن معاش النوع الانساني لا ينتظم إلا بالمعاملة والمعاوضة ينكشف له أن عناية الشارع الحكيم بضبط طرق المعاوضات شديدة جدا ابقاء على الضعفاء عن أن يحطمهم الأقوياء فإن النفوس الانسانية بسبب ما فيها من الطباع الربوي متشوقة إلى معنى الإحاطة والاتحاد الجمعي كما سبق سيما ما فاز منها بحظ من ذلك وذاق من لذته ومذقه فإن ذلك مما يثير الأشواق التي ربما كانت كامنة قبل و يقوى الداعي إلى الاستكمال وطلب الزيادة ومن ثم ترى الأغنياء غالبا أحرص على اكتساب الأموال واستنمائها من الفقراء البائسين ولو أذن لهم في الشريعة في ذلك كيف ما اتفق لبقي دواعي النفوس المشغوفة بالزيادة مطلقة في جهات التحصيل فيعظم الفساد وكذا لو سومح معهم في المنع عن بعض أنواعه المحظورة فإنه بقدر قوة الداعي أو أكثر يجب تقوية المانع حتى يتعاوقا ويندفع المحذور كما في الأمراض الطبيعية وهذه الضابطة مطردة كلية يعرفها الخائض في أسرار الشريعة وقد أشرنا إليها فيما مضى أيضا فاقتضى النظر الإلهي التحذير التام والتوعيد العظيم على قليل الربا وكثيره والتشديد في أمره بمقايسة إلى ما تقرر في النفوس قبحه وارتكز في العقول تفاحشه من الزنا بذات محرم وبيان أنه يزيد عليه أضعافا مضاعفة لا من باب المبالغة الجزافية بل على وجه الحقيقة والحكمة والمصلحة الراجحة الصائبة الصادقة فإن الذنوب كلها وإن كانت مشتركة في تسويد القلب والتبعيد عن باب الرحمة والاخلال بمصالح الدارين إلا أن لكل منها أثرا خاصا في تضعيف الايمان والتعريض لنوع من العقوبة ومن ثم قسمت في الأخبار إلى مغيرة في النعم ومورثة للندم ومنزلة للنقم وحابسة للرزق وهاتكة للستر ومعجلة للفناء وهذا كما كما أن السموم والأغذية المضرة وإن كانت كلها متشاركة في نهك البدن واستجلاب الضرر إلا أنها متفاوتة في ذلك تفاوتا لا ينكر فإن منها ما يضر بالقلب أكثر من غيره ومنها ما يضر بالكبد أكثر ومنها بالدماغ وبالعين وبآلات التناسل وسائر الأعضاء الشريفة ومنها ما يضر البشرة أو يؤثر بالهزال وغير ذلك ومن ثم وقع تقسيمها إلى صغاير وكبائر ثم تعيين أكبر الكباير كل ذلك بحسب آثارها وخواصها المختلفة وكما أنه يجب على المعتني بحفظ صحته اجتناب جميع السموم والمضرات كذلك يجب على المؤمن المعتني بكمال ايمانه اجتناب الذنوب بأسرها ولأجل اختلافها في الخواص والآثار يمكن الحكم تارة على السرقة مثلا بأنها أشد من الزنا أي بحسب أثرها المترتبة عليها دونه وإن كان يترتب عليها أثر آخر من جنس آخر وتارة على الزنا بأنه أشد من السرقة أي بحسب أثره الخاص كذلك أيضا كما أنه يصدق القول بأن سم العقرب مثلا أشد من الجرارة أي بحسب شدة الوجع وآثاره القلق ويصدق أيضا القول بأن سم الجرارة أشد من العقرب أي بحسب طول التعب وامتداد الأذى وبطؤ البرء ونحو ذلك من الاعتبارات المختلفة وأكثر ما ورد في الأخبار من التفضيلات المختلفة بحسب الظاهر مبتنية على هذا الوجه في باب المعاصي وفي باب الطاعات أيضا فإنها وإن كانت متشاركة في تنوير القلب وتكميل الايمان والتعريض للرحمة إلا أنها متفاوتة في آثارها المختصة فيصدق أن الصلاة أفضل الأعمال والحج أفضل الأعمال وبر الوالدين كذلك وأن فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر ونحو ذلك كما يصدق أن الخبز خير الأغذية واللحم كذلك والفواكه كذلك وهكذا نظرا إلى أن الأثر المقصود من كل منها في تقوية البدن لا يترتب على غيره وإن ترتب عليها أثر آخر و لاختلاف الأشخاص والأحوال في ذلك مدخل عظيم فإن الدواعي والصوارف عن الطاعات و المعاصي جميعا تختلف اختلافا عظيما وكلام الشارع الحكيم مما خوطب به عموم المكلفين فمقتضى الحكمة القاء الكلام على وجه يكون للكل فيه نصيب والتشديد في أمر الربا جدا إذا تداعت الحال الانذار عنه في بعض المقامات لا ينافي التشديد في أمر الزنا في مقام آخر بل كلاهما مطابقان للحكمة والبلاغة التي هي رعاية مقتضى الحال وهذا أصل عظيم النفع ومن الكسب الحرام أخذ ثمن الخمر والنبيذ المسكر والميتة والكلب إلا ما استثنى وأجور الفواحش كمهر البغي وأجر الكاهن والاستجعال في المعصية والرشا في الحكم فإنها جميعا سحت كما تقدم وورد في بعض الأخبار
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الطهارة 16
2 باب جرايم الجوارح 17
3 باب التوبة 24
4 باب التدارك 27
5 باب الحد والتعزير 28
6 باب الجناية 35
7 باب ذمايم القلب 40
8 باب الصبر 42
9 باب الحلم 45
10 باب النصيحة 47
11 باب حب الخمولة 49
12 باب التواضع 52
13 باب الفقر 57
14 باب الزهد 60
15 باب السخا 63
16 باب الرضا 65
17 باب الشكر 66
18 باب الرجاء والخوف 68
19 باب قصر الامل 70
20 باب النية 72
21 باب الاخلاص 75
22 باب الصدق 79
23 باب التوحيد والتوكل 80
24 باب تطهير السر عما سوى الله 83
25 باب الماء 88
26 باب الأخباث وتطهيرها 90
27 باب آداب التخلي 95
28 باب الاتفاث وازالتها 96
29 باب آداب التنظيف 97
30 باب الاحداث ورفعها 100
31 باب الوضوء 102
32 باب الغسل 104
33 باب التيمم 110
34 كتاب الصلاة 111
35 باب الشرايط 112
36 باب الأوقات 118
37 باب المكان 121
38 باب اللباس 125
39 باب القبلة 127
40 باب النداء 129
41 باب الهيئة 130
42 باب الآداب والسنن 132
43 باب المكروهات 135
44 باب وظائف يوم الجمعة والخطبتين 136
45 باب آداب العيدين وسننهما 137
46 باب آداب الآيات وسننها 138
47 باب الجماعة 139
48 باب الخلل 141
49 باب التعقيب 145
50 باب الدعاء 146
51 باب فضل قراءة القرآن 148
52 كتاب الزكاة 150
53 باب التعداد والشرايط 150
54 باب المقادير والنصب 153
55 باب المصرف 154
56 باب الأداء 155
57 باب الخمس 156
58 باب المعروف 158
59 باب آداب المعطى 159
60 باب آداب الآخذ 162
61 كتاب الصيام 163
62 باب الشرايط 165
63 باب الهيئة 167
64 باب الآداب 168
65 باب فوايد الجوع 173
66 باب الاعتكاف 174
67 كتاب الحج 175
68 باب الشرايط 177
69 باب الهيئة 178
70 باب المحرمات 181
71 باب الخلل 190
72 باب حرمة الحرم 195
73 باب الزيارات 196
74 كتاب الحسبة 198
75 باب الجهاد 198
76 باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 201
77 باب إقامة الحدود 203
78 باب الفتيا 205
79 باب القضا 206
80 باب الشهادة 209
81 باب اخذ اللقيط 212
82 باب الحجر 212
83 كتاب البر 214
84 باب العطية 214
85 باب العتق 217
86 باب التدبير 219
87 باب الكتابة 220
88 باب النذر والعهد 220
89 باب اليمين 222
90 كتاب الكسب 224
91 باب الآداب 227
92 باب البيع 229
93 باب الربا 234
94 باب الشفعة 236
95 باب الشركة 237
96 باب القراض 238
97 باب الجعالة 240
98 باب الإجارة 242
99 باب المزارعة 244
100 باب المساقاة 245
101 باب احياء الموات 245
102 باب الغصب 248
103 باب اللقطة 250
104 باب السبق 251
105 باب الدين 252
106 باب الرهن 253
107 باب الضمان 254
108 باب الحوالة 255
109 باب الوكالة 256
110 باب الكفالة 257
111 باب الوديعة 258
112 باب الاقرار 259
113 باب الصلح 259
114 كتاب النكاح 260
115 باب التعداد والجدوى 260
116 باب المحارم 263
117 باب الولاية 271
118 باب العقد 272
119 باب الصداق 274
120 باب الخلوة 277
121 باب الحقوق 279
122 باب النشوز 281
123 باب الفسخ 282
124 باب الطلاق 284
125 باب الخلع والمباراة 286
126 باب الظهار 287
127 باب الايلاء 288
128 باب اللعان 289
129 باب العدد 290
130 باب الولد 294
131 باب القرابة 300
132 كتاب المعيشة 300
133 باب الطعام 301
134 باب الأكل 309
135 باب الشرب 312
136 باب الضيافة 313
137 باب اللباس 314
138 باب الطيب 315
139 باب المسكن 316
140 باب المنام 317
141 باب التحية 319
142 باب الكلام 321
143 باب الإخاء 326
144 باب المعاشرة 328
145 باب العزلة 333
146 باب الورد 335
147 باب السفر 338
148 كتاب الجنايز 343
149 باب المرض 343
150 باب الوصية 345
151 باب العيادة 346
152 باب الاحتضار 349
153 باب التغسيل 350
154 باب التكفين 351
155 باب التشييع والتربيع 353
156 باب الصلاة على الميت 354
157 باب الدفن 355
158 باب التعزية 357
159 باب الهدية للميت 357
160 باب زيارة القبر 358
161 كتاب الفرايض 358
162 باب الأسباب والطبقات 358
163 باب الموانع 360