أنظارهم وسعة أفكارهم حتى أنه لم يتوافق فيه رصدان بخلاف عاشر آيار وتاسع شباط وخامس عشر كانون الأول فإنها أسهل معرفة كما مر وقياسه على أوقات الصلوات ومداخل الشهور ظاهر الفساد لأنها أمور محسوسة يدركها كل عاقل سليم الحس بخلاف حركة الشمس وانتقالاتها في بروجها فإنها تحتاج إلى رصد وحساب لا يتيسر لأكثر مهرة الفن وليست كوصولها إلى وسط السماء ورؤية الهلال وأمثالهما من الأمور المعلومة بالعيان ولا يناسب المعلوم من عادة الشرع وحكمته أن تكون لمعرفة النيروز مكلفين بتتبع ارصاد الرصديين ثم التميز بين الحق والباطل منها والاتكال على ما اشتهر في زماننا مع علمنا بأنه غير مشهور ولا مذكور في أعصار النبي والأئمة صلوات الله عليهم في أمر قد نصوا عليه بأنه من الأمور القديمة وما ذكره في الوجه الثاني من المناسبة ضعيف جدا وبعد التسليم فإنما يدل على كون الشمس حين الخلقة في أوائل صورة الحمل عند التسمية وهذا مما لا يستلزم المطلوب بوجه لأن هذه الصور تنتقل بمر الدهور بناء على حركة الثوابت في كل سبعين سنة أو ما يقاربها درجة واحدة ومن أين ثبت كون الشرطين أول الحمل عند الخلقة ولو ثبت فالمناسب اعظام يوم كون الشمس في الشرطين دون أول برج الحمل وقد انتقل منه الشرطان إلى برج الحوت منذ قبل الاسلام بأزمنة مديدة على أن المستفاد من حديث الرضا (ع) مع ذي الرياستين أنها كانت إذ ذاك في التاسعة عشر من الحمل وكذا مناسبة خلق العالم في شهر نيسان لعدم مطابقة شئ من أيام شهر نيسان من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا لأول الحمل المطلوب اثباته ثم كيف يرتبط به قوله ولا شك أن نيسان يدخل و الشمس في الحمل وما ذكره من موافقة يوم الغدير لأول الحمل بالحساب فيه أن الظاهر أن الرصد المعول عليه في زمن ابن فهد وقبيله إنما هو الرصد المراعي الذي قد عمل فيه المحقق نصير الدين الطوسي لأنه أقرب الأرصاد إلى ذلك العهد وقد استخرجنا جزء الشمس منه يوم الغدير فوجدناه بمراحل عن مدخل الحمل وإن كانت النسخة غير معتمدة وعلى تقدير تصحيحه فلا يجدي في المطلوب إلا إذا ثبت موافقة بقية التواريخ المذكورة في الرواية له والثابت خلافه فإن البيعة الثانية بعد مقتل عثمان إنما كانت في أواخر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين باتفاق النقلة والظفر بأهل نهروان وقتل ذي الثدية مضبوط في مناقب ابن شهرآشوب وغيره بتاسع صفر سنة تسع وثلاثين وقيل ثمان وثلاثين وإذا كان يوم الغدير أول الحمل كان أول الحمل في السنة الحادي عشرة التاسع والعشرين من ذي الحجة وينتقل بعده إلى المحرم ثم إلى صفر وهكذا ولا يدور إلى ذي الحجة إلا بعد نيف وثلاثين سنة وبين البيعتين خمس وعشرون سنة فلا يعقل كونهما معا في مبدأ الحمل وكذا لا يعقل كون فتح النهروان الواقع بعد يوم الغدير بتسع أو ثمان وعشرين سنة في مبدأ الحمل كما لا يخفى وأما إذا حملنا النيروز على الفارسي المتفاوت في السنة العربية بأحد عشر يوما غالبا وفي بعضهما بعشرة أيام فإذا كان الخامس والعشرون من ذي حجة الخامسة والثلثين يوم النيروز كان تاسع الصفر نيروز السنة التاسعة والثلثين وبه يترجح ضبط ابن شهرآشوب وأما يوم الغدير فإنه كان متقدما على جلوس يزدجرد كما علمت فلا يمكننا الآن تحقيق حاله ولا يثبت به منافاة لما حررناه ومناسبة صب الماء لأول الحمل دون الجدي على ضعفها إنما تنفي أول الجدي دون سائر التفسيرات هذا إن أريد به رش الماء كما هو المعمول في بعض بلاد العجم وحمله بعضهم على الغسل وليس ببعيد ومناسبة خلق زهرة الأرض لأول الحمل دون الجدي غير ظاهرة لاختلاف ذلك باختلاف البقاع فإن اعتبر ببلاد الحجاز التي هي محتد الدين والدنيا ومسكن الإمام الذي صدر عنه الخبر فالأمر فيه على العكس إذ في القوس تكثر فيها الأمطار غالبا وفي أوائل الجدي تتكون النباتات و الأعشاب وتنمو وتترعرع في الدلو وتزهر في الحوت وأما الحمل فيبدو فيها الذبول فابتداء خلق زهرة الأرض إنما هو في الجدي دون الحمل ولو سلم فلا ريب أنه يكتفي في سعادة الأيام ونحوستها بوقوع السبب فيها في مبدأ الأمر ولا يعتبر تكرره بتكررها فإن يوم المبعث مثلا يكفي في شرافته وقوع البعثة فيه في صدر النبوة ولا يعتبر تجدد البعثة بتجدد هذا اليوم في كل سنة وبقية السعادات المذكورة في هذا الحديث لهذا اليوم مثل عقد البيعتين وفتح النهروان واحياء الموتى كلها من هذا القبيل فلا مانع من أن يكون في أول الأمر قد اتفق النيروز في أول الحمل كما هو ظاهر ما قدمنا نقله عن قدماء الفرس ثم تزايل عنه ودار في الفصول بسبب الكبائس وتأخيرها واهمالها ومجرد وقوع ذلك الاتفاق أولا لا يوجب اعتباره في مستقبل الزمان في شرافة اليوم حتى يكون ذلك هو المناط وحده كما في يوم المبعث فإن الشمس كانت ذلك اليوم على وضع معين البتة وذلك لا يوجب أن يكون مناط سعادة اليوم فيما بعد وقوع الشمس على ذلك الوضع بعينه ومما يؤيد ذلك قوله (ع) خلقت فيه زهرة الأرض بصيغة الماضي الذي مفاده الانقضاء والتصرم ولو كان المراد اعتبار أول الحمل لكان حق التعبير تخلق فيه زهرة الأرض ايذانا بالاستمرار التجددي الموضوع له صيغة المضارع مع أنه أوفى بالغرض المصوغ له الكلام من بيان شرافة اليوم كما لا يخفى وبما أوردناه ظهر لك أيضا حال ما ذكره بعض الأفاضل الذين عاصرناهم من أن أول سنة الفرس أول فروردين القديم وهو قبل انتقال الشمس إلى الحمل بسبعة عشر يوما ويوم انتقالها إليه وهو أول فروردين الجلالي وكذا قوله إن أول نيسان وسط الحمل وذلك لأن أول نيسان في أعصارنا هذا إنما يصادف الثالث والعشرين من الحمل كما هو ظاهر ولقد خرجنا بهذه الإطالة عما نحن بصدده من الاختصار تحذيرا للناظرين عن الاغترار فهذه هي الأغسال الزمانية وأما المكانيات فغسل دخول الحرمين حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وبلديهما مكة والمدينة ومسجديهما كما في المعتصم والمفاتيح وغيرهما والنص
(١٠٩)