يعتنون بضبطه شفقة من أن ينسى مبدأها أو يختل إذا تقادم به العهد ويشتغلون في تلك الأيام الثلاثين بأنواع اللهو والطرب والزمزمة وسائر الرسوم المعمولة في مللهم وينفق الملك الذي تتفق الكبيسة زمن دولته الأموال الجزيلة على الرؤساء والحكماء وسائر الناس على قدر مراتبهم وكانت الأكاسرة قد رسمت لكل يوم نوعا من الرياحين والزهر يوضع بين يديه ولونا من الشراب على رسم منتظم لا يخالفونه في الترتيب ولجلالة هذا الأمر عندهم وعموم المنفعة فيه للخاص و العام والرعية والملك وما فيه من الأخذ بالحكمة والعمل بموجب الطبيعة ربما كانوا يؤخرون الكبس إذا جاء وقته وأمر المملكة غير منتظم الحوادث ويهملونه حتى يجتمع منه شهران ويتقدمون بكبسها شهرين إذا كانوا يتوقعون في وقت الكبس المستأنف ما يشغل عنه كما عمل في زمن يزدجرد بن شابور أخذا بالاحتياط وهو آخر الكبايس المعمولة وكانت هذه العادة مستمرة في معظم المعمورة إلى زمن يزدجرد بن شهريار آخر ملوك العجم وهو القايم بالأمر في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بعدة أيام وإليه ينسب التاريخ اليزدجردي المبتنى عليه بعض الزيجات الاسلامية فلما باد ملكهم وافتتحت العرب بلادهم في عهد الخليفة الثاني ولم يكن للعرب معرفة بهذه الدقايق ولا اهتمام برسوم الفرس واحياء سننهم بل كانوا يكرهون ذلك ومن ثم أسند عليه السلام تضييع النيروز إلى العرب لا جرم أهمل أمر الكبيسة واختل حسابها بحيث لا يعرف الآن على التحقيق ولا محيص عن الرجوع إلى ما يدونه المنجمون في تقاويمهم مما بلغهم خلفا عن سلف ولا نعرف من الأمم في بلاد الاسلام من يعول على هذا الحساب المختل إلا طائفة الصابئة الموجودة في بلادنا وبعض بلاد العراق وأما النيروز المعتضدي وهو حادي عشر حزيران الرومي والخوارزم شاهي وهو يوم حلول الشمس درجة شرفها والطبري وهو يوم حلولها منتصف الجدي والسلطاني ويقال له الجلالي والملكي أيضا وهو حلولها أول الحمل فكلها أوضاع مستحدثة لم يكن في العهود القديمة منها خبر ولا أثر فلا يمكن حمل ما في الرواية على شئ منها وما عدا الأخير منها مما لا كلام في انتفائه وإنما دخلت الشبهة على عصبة زعموا أنه المراد في روايات المعلي ومنهم المصنف طاب ثراه في كتابه الكبير استراحة منهم إلى ما ينبه الشيخ أحمد بن فهد الحلي قدس سره في مهذبه بعد ما فيه عدة أقوال أما نقله ابن إدريس عن بعض محصلي أهل الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة أنه عاشر أبواب ما نقله عن الشهيد طاب مثواه أنه أول سنة الفرس وقال إنه إشارة إلى ما هو مشهور عند فقهاء العجم في بلادهم فإنهم يجعلونه عند نزول الشمس الجدي وهو قريب مما قاله صاحب كتاب الأنواء وحكايته اليوم السابع عشر من كانون الأول صوم اليهود وفيه ترجع الشمس مصعدة إلى الشمال ويأخذ النهار من الليل ثلاث عشر ساعة وهو مقدار ما يأخذ في كل يوم وتنزل الشمس ببرج الجدي قبله بيومين وبعض العلماء جعله رأس السنة وهو النيروز ج ما نقله عن صاحب كتاب الأنواء أنه اليوم التاسع من شباط ثم قال والأقرب أنه يوم نزول الشمس برج الحمل وما استدل به على مختاره وجوه أ أنه أعرف بين الناس وأظهر في استعمالهم وانصراف الخطاب المطلق الشامل لكل مكلف إلى معلوم في العرف وظاهر في الاستعمال أولى من انصرافه إلى ما كان بالضد من ذلك ولأنه المعلوم من عادة الشرع وحكمته ألا ترى كيف علق أوقات الصلاة بسير الشمس الظاهر وصوم شهر رمضان برؤية الهلال وكذا أشهر الحج وهي أمور ظاهرة يعرفها عامة الناس فإن قلت استعماله في نزول الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلادهم العجم حتى أنهم لا يعرفونه و ينكرون على معتقده فلم خصصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون بعض وأيضا فإن ما ذكرته حادث ويسمى النيروز السلطاني والأول أقدم حتى قيل إنه منذ زمان نوح (ع) فالجواب عن الأول إن العرف إذا تعدد انصرف إلى العرف الشرعي فإن لم يكن فإلى أقرب البلاد واللغات إلى الشرع فيصرف إلى لغة العرب وبلادها لأنه أقرب إلى الشرع وعن الثاني بأن التفسيرين معا متقدمان على الاسلام ب أنه مناسب لما ذكره صاحب الأنواء من أن الشمس خلقت في الشرطين وهما أول الحمل وفي بعض روايات النيروز أنه أول يوم خلقت فيه الشمس فناسب ذلك اعظام هذا اليوم الذي عادت فيه إلى مبدأ كونها ج أنه مناسب لما ذكره ابن طاوس أن ابتداء العالم وخلق الدنيا كان في شهر نيسان ولا شك أن نيسان يدخل والشمس في الحمل وإذا كان ابتداء العالم في مثل هذا اليوم ناسب أن يكون يوم عيد وسرور ولهذا ورد استحباب التطيب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف الثياب ومقابلته بالشكر والدعاء حيث كان فيه ابتداء النعمة الكبرى وهي الاخراج من حيز العدم إلى الوجود ولهذا أمرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير حيث كان فيهما ابتداء منصب النبوة والإمامة وكذا المولدين فإن قلت نسبته إلى الفرس يؤيد الأول لأنهم واضعوه والثاني وضعه قوم مخصوصون ولم يوافقهم الباقون قلنا يكفي في نسبته إليهم أن يقول به طائفة منهم وإن قصروا في العدد عمن لم يقل به ألا ترى إلى قوله (تع) وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وليس القائل بذلك كل اليهود ولا كل النصارى فقوله (ع) إنه اليوم الذي أخذ فيه العهد بغدير خم وكان ذلك سنة عشر من الهجرة وحسب فوافق نزول الشمس في الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم ولم يكن الهلال رأي بمكة ليلة الثلاثين فكان الثامن عشر على الرؤية ه كون صب الماء في ذلك اليوم سنة شايعة والظاهر أن مثل هذه السنة العامة لجميع المكلفين أن يكون صب الماء في وقت لا ينفر منه الطبع ويأباه ولا يتصور ذلك مع كون الشمس في الجدي لأنه غاية القر في غالب البلاد الاسلامية وقوله (ع) وفيه خلقت زهرة الأرض وهذا إنما يكون في الحمل دون الجدي
(١٠٧)