هذا كلام زيد اكرامه ولننظر في جميع ما قرره هذا الشيخ المعظم قدس الله روحه توضيحا لجلية الحال فاعلم أن النيروز الفارسي ربما يتوافق في هذا العام مثلا مع اليوم المعين في العام الأول وأكثر ما يفرض ذلك خمس سنين متوالية ثم يتقدم عليه بيوم واحد ثم بيومين وهكذا إلى أن يبلغ التفاوت شهرا أو شهرين ثم يعود إلى التوافق كل ذلك بسبب أمر الكبيسة فلا يقف التفاوت إلى حد بل يدور النيروز في الفصول المتعينة بمسير الشمس كلها ولا يمكن تعيينه بحسب موضع الشمس ولا بحسب أيام العربية فإنها تتوافق وتتخالف ولا الرومية لأنها مكبوسة في كل أربع سنين بيوم ولا الجلالية التي يبتني عليها التقاويم الآن لأنها مكبوسة أيضا نعم يمكن ضبط يوم معين بجزء الشمس على رصد ابرخس بيوم معين من الأيام الرومية أو الجلالية لتوافقها جميعا في الكيس و مقداره وفقد ما يقتضي التقديم والتأخير فتعيين النيروز الفارسي بعاشر آيار أو غيره من الأيام الرومية مما لا يكاد يفرض له وجه استقامة ويشبه أن يكون اشتباها منشأه مصادفة يوم النيروز في بعض الأزمنة لشئ منها فظن اطراد ذلك نظير ما اتفق للكفعمي في المصباح في بيان الأعمال المتعلقة بشهر شعبان أن الثالث والعشرين منه النيروز المعتضدي مضبوطا بالحادي عشر من حزيران تاسع شهور الروم وفي الأنوار النعمانية أن العشرين من شهر شعبان النيروز المعتضدي ومعلوم أن مثل ذلك لا يمكن أن ينضبط بالشهور العربية وقد يترائى أنه يأبى مثل ذلك اطراء مثل ابن إدريس في وصف من ضبطه آيار فيقرب أن يكون لفظة آيار تصحيف إزار من بعض الناقلين ممن ليس له إحاطة تامة بالفن وأن ذلك المحصل يرى ما يراه ابن فهد من أنه أول الحمل فإن حلول الشمس في الحمل إنما يكون في عاشر آذار وهو الشهر المتقدم على نيسان وأما آيار فهو الشهر المتأخر عنه و في عاشره تدخل الشمس أول الجوزاء ولما كانت معرفة الأشهر الرومية واستقراء حسابها أسهل تناولا من معرفة حلول الشمس أول الحمل وقد روي من طرق الخاصة والعامة آداب وأعمال تتعلق بها وعليها بناء النيروز المعتضدي أيضا لا جرم حاول تعريف أول الحمل بعاشر إزار اتكالا على وضوحه وكثرة العارفين به بخلاف مدخل الحمل إذ لا يعرفه إلا الأوحديون من الرصديين بعد جهد طويل و أعمال كثيرة يضيق عنها وسع الأكثرين من الخواص فضلا عن العوام والتحقيق أنه بمعزل من الصواب إذ مطابقة أول الحمل لعاشر آذار في هذه الأعصار بحسب الرصد الجديد السمرقندي المعمول سنة أربعين وثمانمائة لا يقتضي مطابقته له في عصر ابن إدريس بحسب الرصد الذي عول عليه ذلك المحصل مع ما نعلم بينهما من التفاوت في مقدار الدقايق الناقصة عن الربع ومما يؤيد عدم الانطباق أن مبدأ الجدي في عامنا هذا وهو سنة ثلاث وستين بعد المائة والألف بحسب الزيج الجديد هو حادي عشر كانون الأول ومقتضى ما نقله عن بعض العلماء أنه الخامس عشر منه وهذا يقتضي وجود مثل هذا التفاوت في مبدأ الحمل أيضا وكذا جعله أول سنة الفرس إشارة إلى أول الجدي لا محمل له إلا الاشتباه المذكور وكذا ما نقله من أن السابع عشر من كانون الأول صوم اليهود وذلك لأن كانون الأول من الشهور الرومية وأما اليهود فلهم شهور أخر بحسب لغتهم وهي قمرية كشهور العرب ولهم فيها عدة صيام ولا ارتباط لهم بشهور النصارى بوجه وأما النصارى فلهم أيضا عدة صيام في شهورهم وصومهم الكبير يدور بين ثاني شباط وثامن آذار يتقدم ويتأخر ومن ثم وضعوا لمعرفته في بعض الزيجات حد ولا يرجع إليه في تعيينه من أراد ذلك وما أفاده من أن الشمس تنزل قبل ذلك بيومين برج الجدي عجيب أيضا وكذا قوله إن النهار يأخذ عند ذلك كل يوم مقدار ثلاث عشر ساعة من الليل لأن الزيادة حوالي الانقلاب الشتوي أقل من ذلك بكثير حتى أنها لقلتها ربما لا يحس بها أياما متوالية لأنها لا تبلغ الدقيقة ثم تتدرج شيئا فشيئا إلى أن تبلغ في كل يومين أو ثلاثة أيام دقيقة واحدة وهي سدس عشر ساعة ثم في كل يوم دقيقة وهكذا إلى أن تبلغ المقدار المذكور حوالي الاعتدال الربيعي على قدر ما يأخذ الليل من النهار في الانقلاب الصيفي وأما ما أورده في الوجه الأول ففيه احتمالان أحدهما أن استعمال لفظ النيروز في مبدأ الحمل أكثر شيوعا في العرف فينبغي حمله في الحديث عليه ويؤيد هذا الاحتمال ما ذكره في ذيل فإن قلت الثاني إن معرفة مبدأ الحمل أوضح وأظهر بين الناس من معرفة غيره من المعاني المذكورة فينبغي حمله على المعنى الواضح الذي يعرفه كل أحد دون المعاني الغامضة ويؤيد ما ذكره من التنظير بأوقات الصلوات ومداخل الشهور ويرد على الأول أنه مجرد دعوى بين البطلان عند أهل الخبرة بالحساب والتواريخ فإن كون نيروز الفرس دايرا في الفصول سيما من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمان السلطان جلال الدين ملك شاه السلجوقي أمر لم يبلغنا خلافه من أحد منهم وكتبهم مملوءة من التصريح بأن الروم والفرس كانوا لم يلاحظوا في مبدأ سنينهم موضع الشمس وإن جعل الاعتدال الربيعي مبدأ السنة مخصوص بالتاريخ الجلالي ولا يوافقه شئ من التواريخ المشهورة وأنه اجتمع بحضرته عدة من الحكماء الراسخين أحدهم عمر الخيام فأمرهم أن يقننوا له تاريخا باسمه ممتازا عن غيره من التواريخ فاختاروا المبدأ السنة حفظا من أن يدور في الفصول يوم انتقال الشمس إلى الحمل قبل نصف النهار واتفق ذلك يوم الجمعة ثامن عشر فروردين القديم عاشر شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وأربعمائة فكيف يمكن أن يجعل مثل ذلك مناطا للأحكام الشرعية الثابتة قبل ذلك بقريب من خمسمائة سنة ودعوى تقدمه على الاسلام والاغماض عن تقييده بالجلالي والسلطاني مما يقضى منه العجب و وشيوع استعمال لفظ النيروز فيه في العرف بعد حدوثه مما لا يجدي في حمل لفظ الحديث عليه وهو ظاهر وعلى الثاني أيضا المنع فإن معرفة وقت حلول الشمس أول نقطة من الحمل أمر في غاية الغموض كما أشرنا إليه وناهيك في ذلك بما وقع من الاختلاف فيه بين الرصديين على دقة
(١٠٨)