أقول: كان من أماني ثقيف أن يبيح رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم الربا، لأنهم كانوا أثرياء، لهم الخدم والخول والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث، وكان لهم ديون على الناس بالربا المضاعف، فألقى ذلك في أمنيتهم فلم يقبل ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) منهم (1) ويقال: إنه نزل فيهم قوله تعالى: * (فلكم رؤوس أموالكم) * بل كتب ذلك في كتابهم إتماما للحجة فقال: " وما كان لهم من دين... " أي من كان له دين عند الناس فبلغ أجله فإنه لياط أي: ربا فالمديون مبرأ من الله تعالى عن ربا هذا إن قرئ مبرأ مبنيا للمفعول، وأما إن قرئ مبنيا للفاعل فمعناه أن أخذ الربا يبرئ الآخذ عن الله تعالى فليس من الله في شئ، فللدائن رأس ماله، وقيده بقوله:
في رهن، ولعله إما لأجل أنهم كانوا يرهنون ويرتهنون، ويشترطون انتفاع المرتهن من الرهن، فيكون أكلهم الربا بانتفاعهم من الرهن فنهوا عنه لأجل ذلك، وهذا النحو من الرهن شائع في عصرنا أيضا يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وأما لأجل أنهم يأخذون الربا والرهن للانتفاع منه أيضا.
" وما كان من دين في رهن وراء عكاظ " وراء أي: أمام وخلف وهي من الأضداد، وفي الحديث: " ليس وراء الله مرمى " أي: ليس بعد الله لطالب مطلب، والمعنى أن كل دين كان قبل سوق عكاظ، فإنه يقضي إلى عكاظ برأس المال، وفي النهاية في " ليط " في كتابه لثقيف لما أسلموا: " وإن ما كان لهم من دين إلى أجل فبلغ أجله فإنه لياط مبرأ من الله، وإن ما كان لهم من دين وراء عكاظ فإنه يقضى إلى رأسه ويلاط بعكاظ ولا يؤخر أي: يلصق أداؤه بعكاظ " أراد باللياط الربا لأن كل شئ ألصق بشئ وأضيف إليه فقد أليط به.
والمعنى ويلاط بعكاظ ولا يؤخر أي: يلصق أداؤه بعكاظ فكأنه الغاء لآجال الديون التي كانت قبل عكاظ، وأنها تقضي إلى عكاظ، فأسقط الربا