فعندئذ اطمأن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى اتحادهم وصفاء إيمانهم وإخائهم الخالص.
ولكن الذي أشغل قلبه وأقلقه وأزعجه هو غوائل يهود وحسدهم، والخلاف الاعتقادي الديني الذي يحكم على ما سواه من دواعي الخلاف سيما اليهود الذين كانوا أشد عداوة للذين آمنوا، لأن اليهود كانوا أقوياء رجالا وسلاحا وثروة، وكانوا يهيجون المسلمين ويثيرون الفتنة بذكر الأيام الماضية بإنشاء الأشعار وإلقاء الوساوس، وذلك مع قلة المسلمين وفقرهم وكثرة عدوهم عددا وعدة، ونخص من بين أعدائهم قريشا، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأمن جانبهم بالمعاهدة والصلح، فجاءه اليهود يطلبون الصلح ويرغبون في المعاهدة فقبل منهم وعاهدهم على شروط كثيرة:
كتب أولا وثيقة بين المسلمين أنفسهم المهاجرين والأنصار، وهي هذه الوثيقة التي نقلناها وشرحناها، وهي تشتمل شروطا كثيرة بن المهاجرين والأنصار، وبين المسلمين ويهود الأنصار من بني عوف وبني النجار و... وبينهم وبين المشركين الموجودين بالمدينة، ولكنه لقلة عدد المشركين بل إشرافهم على الفناء والدمار لم يذكر لهم شروطا كثيرة.
وكتب لكل قبيلة من اليهود - بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع - وثيقة تخص كل واحد منهم ذكر فيها المعاهدة على أن لا يعينوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا بيد ولا بسلاح...
فمن تدبر في هذه الوثائق وآثارها للمسلمين والاسلام على عظم هذا العمل، وأن هذا من أكبر الأعمال التي عملها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان هذا العمل وهذه الوثائق " حدثان مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة قبل أن يظهر الاسلام ويقوى، وقبل أن يؤمر