رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ٤٦٢
فما كل ما نطقت به عن جهل مني بسوء أثري، ولا نسيان لما سبق من ذميم فعلي، لكن لتسمع سماؤك ومن فيها، وارضك ومن عليها، ما أظهرت لك من الندم، ولجأت إليك فيه من التوبة، فلعل بعضهم برحمتك يرحمني لسوء موقفي، أو تدركه الرقة علي لسوء حالي، فينالني منه بدعوة هي أسمع لديك من دعائي، أو شفاعة أوكد عندك من شفاعتي، تكون بها نجاتي من غضبك وفوزتي برضاك.
____________________
ومدار هذا الفصل من الدعاء على الفرار من الله إلى الله والإقبال عليه، وتوجيه وجه النفس إلى كعبة وجوب وجوده تعالى، وقد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا.
الفاء: فصيحة، أي: إذا كان حالي على ما وصفت من فقدان الخفير والشفيع وإيجال الخطايا، فما كل ما نطقت به عن جهل مني إلى آخره. وذلك أن العبد المراقب لربه الخائف من ذنبه إذا علم اطلاع الله تعالى عليه، وتحقق أن لا منجى منه إلا إليه، امتلأ قلبه هيبة، وانقبضت نفسه حياء، وارتعدت فرائصه رهبة، فاقتضى ذلك أن لا يطاوعه لسانه بلفظ ولا جنانه بمعنى ولا جوارحه بحركة، فإن فعل شيئا من ذلك فعله تكلفا وتعاطاه تعسفا، ولذلك قال بعضهم: ينبغي لمن ذكر ذنبا أن ييبس لسانه على حنكه من خشية الله تعالى.
وفي دعائهم عليهم السلام: اللهم إن كثرة الذنوب تكف أيدينا عن انبساطها إليك بالسؤال، والمداومة على المعاصي تمنعنا من التضرع والابتهال (1).
فكأنه عليه السلام خشي أن ينكر عليه اتساعه في الكلام بالتوبة، واسترساله في النطق بطلب المغفرة، فأخذ في الاعتذار عن ذلك وبيان الباعث له عليه.
وأما ما قيل من أن المعنى: أن نطقي بما نطقت به لم يكن عن جهل بقبح عملي،

(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»
الفهرست