رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٢

____________________
قيل لبعضهم وقد رئي عليه أثر الجوع والضر: لم لا تسأل الناس يطعمونك؟ فقال: عساهم يمنعون فلا يفلحون، وقد بلغني الحديث: لو صدق السائل ما أفلح من منعه (1). قوله عليه السلام: «وأعني على صحبتهم بحسن الصبر» الصبر: قوة ثابتة وملكة راسخة بها تقدر النفس على تحمل الأمور الشاقة ومقاومة الهوى، ولذلك قيل: الصبر صبران: صبر على البلاء ومنه الرضا بالقضاء، وهو الذي يستوجب به العبد من ربه الثواب، وصبر في النعماء وعما يدعو إليه الهوى مع القدرة عليه والتمكن منه، وهو صبر يدرأ عنه العذاب ويهون عليه الصعاب.
والمراد بحسن الصبر: انشراح الصدر له واطمئنان النفس به، بحيث لا يخالطه اضطراب وانزعاج، هذا.
ولما كان كثير من المترفين وأرباب النعم من يتكلف ويتجشم صحبة الفقراء والزهاد، بتقريبهم وإجلالهم بمقدار ما يعدون من جملة الأخيار، من غير أن يتخلقوا بأخلاقهم ويتأدبوا بآدابهم ويقوموا بحقوق صحبتهم، فهم يرضون من الجسم بالاسم ومن الحميم بالشميم، سأل عليه السلام ربه إعانته بحسن الصبر على صحبتهم، إذ كان فيها من المشاق ما لا خفاء به، فإن من حق الصحبة مع الأصحاب مطلقا طلاقة الوجه والبشاشة، والكلام والسلام، والمصافحة والمعانقة والمواكلة، وتحصيل ما يحتاجون إليه، ودفع ما يغتمون منه، ومخالفة من خالفهم، ومرافقة من رافقهم، وتعظيمهم وتوقيرهم، وعدم التهجم عليهم، والصفح عن عثراتهم، ومداراتهم، وأن لا يحتجب عنهم ولا يهجرهم، ويبسط لهم معروفه، ويعاشرهم ببسط الكف، وصدق الوعد، ودوام العهد، وحفظ الأسرار، وإيثار الإرفاق، وقبول العذر، واحتمال

(1) آداب النفس: ج 2 ص 21.
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست