قوله: فإن غم عليكم فأقدروا له فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين الصحو والغيم، فيكون التعليق على الرؤية متعلقا بالصحو، وأما الغيم فله حكم آخر ويحتمل أن لا تفرقة، ويكون الثاني مؤكدا للأول، وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة. وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا: المراد بقوله: فاقدروا له أي قدروا أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين، ويرجح هذه الروايات المصرحة بإكمال العدة ثلاثين. قوله: فإن غم بضم المعجمة وتشديد الميم أي حال بينه وبينكم سحاب أو نحوه. قوله: فاقدروا قال أهل اللغة:
يقال قدرت الشئ أقدره وأقدره بكسر الدال وضمها، وقدرته وأقدرته كلها بمعنى واحد وهي من التقدير كما قال الخطابي، ومعناه عند الشافعية والحنفية وجمهور السلف والخلف فاقدروا له تمام الثلاثين يوما، لا كما قال أحمد بن حنبل وغيره: إن معناه فذروه تحت السحاب، فإنه يكفي في رد ذلك الروايات المصرحة بالثلاثين كما تقدم، ولا كما قال جماعة منهم ابن شريح ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة إن معناه قدروه بحساب المنازل، قال في الفتح: قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا، ولا كما نقله ابن العربي عن ابن شريح أن قوله: فأقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم. وقوله: فأكملوا العدة خطاب للعامة لأنه كما قال ابن العربي أيضا: يستلزم اختلاف وجوب رمضان، فيجب على قوم بحساب الشمس والقمر، وعلى آخرين بحساب العدد وقال: هذا بعيد عن النبلاء. قوله: الشهر تسع وعشرون ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين. والمعنى: أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد، والمراد شهر بعينه، ويؤيد الأول ما وقع في رواية لام سلمة من حديث الباب بلفظ الشهر يكون تسعة وعشرين. ويؤيد الثاني قول ابن مسعود:
صمنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين أخرجه أبو داود والترمذي، ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد. قوله: فلا تصوموا حتى تروه ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في كل أحد، بل المراد بذلك رؤية البعض إما واحدا على رأي الجمهور، أو اثنان على رأي غيرهم، وقد تقدم الكلام على ذلك، وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل البلد برؤية أهل بلد غيرها وسيأتي تحقيقه. قوله: الشهر هكذا وهكذا الخ، قال النووي: حاصله أن الاعتبار بالهلال لأن الشهر قد يكون تاما ثلاثين، وقد يكون ناقصا تسعة وعشرين،