لأن الميت يندب بأحسن أفعاله، وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر وهي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق عليها العقاب. ومنها: أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله، ويدل على ذلك حديث أبي موسى وحديث النعمان بن بشير الآتيان. ومنها: أن معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم من حديث قيلة بفتح القاف وسكون الياء التحتية، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم قال الحافظ: وهو حسن الاسناد. وأخرج أبو داود والترمذي أطرافا منه. قال الطبري:
ويؤيد ما قال أبو هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه بإسناد صحيح، وقد وهم المغربي في شرح بلوغ المرام، فجعل قول أبي هريرة هذا حديثا، وصحف الطبري بالطبراني. ومن أدلة هذا التأويل حديث النعمان بن بشير الآتي، وكذلك حديث أبي موسى لما فيهما من أن ذلك يبلغ الميت. قال ابن المرابط:
حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه. واعترضه ابن رشيد فقال: ليس نصا وإنما هو محتمل، فإن قوله يستعبر إليه صويحبه ليس نصا في أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي، وأن الميت حينئذ يعذب ببكاء الجماعة عليه، قال في الفتح: ويحتمل أن يجمع بين هذه التأويلات، فينزل على اختلاف الاشخاص بأن يقال مثلا: من كان طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنيعه، ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة وأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم عز وجل. قال: وحكى الكرماني تفصيلا آخر وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (فاطر: 18) على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ انتهى. وأنت خبير بأن الآية عامة، لأن الوزر المذكور فيها واقع في سياق النفي، والأحاديث المذكورة في الباب مشتملة على وزر خاص، وتخصيص العمومات القرآنية بالأحاديث الآحادية هو