حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا انتهى. ومن التأويلات ما حكاه الخطابي أن المراد أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه، وفي تلك الحال يسأل ويبتدأ به عذاب القبر، فيكون معنى الحديث على هذا أن الميت يعذب حال بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببا لتعذيبه. قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه من التكلف، ولعل قائله أخذه من قول عائشة: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه، وأن أهله ليبكون عليه الآن أخرجه مسلم. ومنها ما جزم به القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره أن الراوي سمع بعض الحديث ولم يسمع بعضه، وأن اللام في الميت لمعهود معين، واحتجوا بما أخرجه مسلم من حديث عائشة أنها قالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكن نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على يهودية فذكرت الحديث. وأخرج البخاري نحوه عنها. ومنها أن ذلك يختص بالكافر دون المؤمن، واستدل لذلك بحديث عائشة المذكور في الباب، قال في الفتح: وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيها إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر، بل بما استشعرت من معارضة القرآن. وقال القرطبي: إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة والنسيان، وعلى أنه سمع بعضا أو لم يسمع بعضا بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح. ومنها أن ذلك يقع لمن أهمل نهي أهله عن ذلك، وهو قول داود وطائفة، قال ابن المرابط: إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح، وعرف أن أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده. ومنها أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكيه أهله بها ويندبونه لها، فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنيعه، وذلك كالشجاعة فيما لا يحل، والرياسة المحرمة، وهذا اختيار ابن حزم وطائفة، واستدل بحديث ابن عمر المتقدم بلفظ: ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه. وقد رجح هذا الإسماعيلي وقال: قد كثر كلام العلماء في هذه المسألة، وقال: كل فيها باجتهاده على حسب ما قدر له، ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغزون ويسبون ويقتلون، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة، فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به،
(١٥٧)