أحياء وأمواتا لاجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوي الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم. قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة، فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، وكذلك الميت انتهى. ويتعقب بأن ذكر الرجل بما فيه حال حياته قد يكون لقصد زجره وردعه عن المعصية، أو لقصد تحذير الناس منه وتنفيرهم، وبعد موته قد أفضى إلى ما قدم فلا سواء، وقد عملت عائشة راوية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه، كما روى ذلك عنها عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة، ورواه ابن حبان من وجه آخر وصححه، والمتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات وسب من لا يدري كيف حاله عند بارئ البريات، ولا ريب أن تمزيق عرض من قدم على من قدم وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم، مع عدم ما يحمل على ذلك من جرح أو نحوه أحموقة لا تقع لمتيقظ، ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب، ونسأل الله السلامة بالحسنات، ويتضاعف عند وبيل عقابها الحسرات، اللهم اغفر لنا تفلتات اللسان والقلم في هذه الشعاب والهضاب، وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب. قوله: فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا أي وصلوا إلى ما عملوا من خير وشر، والربط بهذه العلة من مقتضيات الحمل على العموم. قوله: فتؤذوا الاحياء أي فيتسبب عن سبهم أذية الاحياء من قراباتهم، ولا يدل هذا على جواز سب الأموات عند عدم تأذي الاحياء، كمن لا قرابة له أو كانوا، ولكن لا يبلغهم ذلك، لان سب الأموات منهي عنه للعلة المتقدمة، ولكونه من الغيبة التي وردت الأحاديث بتحريمها، فإن كان سببا لأذية الاحياء فيكون محرما من جهتين، وإلا كان محرما من جهة. وقد أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذكروا محاسن أمواتكم وكفوا عن مساويهم وفي إسناده عمران بن أنس المكي وهو منكر الحديث، كما قال البخاري. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
وقال الكرابيسي: حديثه ليس بالمعروف. وأخرجه أبو داود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه وقد سكت أبو داود والمنذري عن الكلام على هذا الحديث.