المذهب المشهور الذي عليه الجمهور، فلا وجه لما وقع من رد الأحاديث بهذا العموم، ولا ملجئ إلى تجشم المضايق لطلب التأويلات المستبعدة باعتبار الآية. وأما ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ذلك في الكافر أو في يهودية معينة فهو غير مناف لرواية غيرها من الصحابة، لأن روايتهم مشتملة على زيادة، والتنصيص على بعض أفراد العام لا يوجب نفي الحكم عن بقية الافراد لما تقرر في الأصول من عدم صحة التخصيص بموافق العام، والأحاديث التي ذكر فيها تعذيب مختص بالبرزخ أو بالتألم أو بالاستعبار كما في حديث قيلة لا تدل على اختصاص التعذيب المطلق في الأحاديث بنوع منها، لأن التنصيص على ثبوت الحكم لشئ بدون مشعر بالاختصاص به لا ينافي ثبوته لغيره، فلا إشكال من هذه الحيثية، وإنما الاشكال في التعذيب بلا ذنب، وهو مخالف لعدل الله وحكمته على فرض عدم حصول سبب من الأسباب التي يحسن عندها في مقتضى الحكمة، كالوصية من الميت بالنوح، وإهمال نهيهم عنه، والرضا به، وهذا يؤول إلى مسألة التحسين والتقبيح، والخلاف فيها بين طوائف المتكلمين معروف، ونقول: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فسمعنا وأطعنا ولا نزيد على هذا. (واعلم) أن النووي حكى إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد دمع العين.
وعن أبي مالك الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب رواه أحمد ومسلم. وعن أبي موسى:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة:
وا عضداه وا ناصراه وا كاسباه جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها رواه أحمد. وفي لفظ: ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول: وا جبلاه وا سنداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت رواه الترمذي.
وعن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي