وابن حبان بلفظ: مر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فانتهرهن عمر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعهن يا ابن الخطاب، فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب وحديث بريدة عند مسلم في زيارته صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه وسيأتي. وحديث أنس عند الشيخين: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذرفت عيناه لما جعل ابنه إبراهيم في حجره وهو يجود بنفسه فقيل له في ذلك فقال: إنها رحمة، ثم قال: العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وهو عند الترمذي من حديث جابر بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعه في حجره فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ فقال: لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان الحديث، قال الترمذي: حسن، فيجمع بين الأحاديث بحمل النهي عن البكاء مطلقا ومقيدا ببعد الموت على البكاء المفضي إلى ما لا يجوز زمن النوح والصراخ وغير ذلك، والاذن به على مجرد البكاء الذي هو دمع العين، وما لا يمكن دفعه من الصوت، وقد أرشد إلى هذا الجمع قوله: ولكن نهيت عن صوتين الخ، وقوله في حديث ابن عباس المتقدم: إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة. وقوله في حديث ابن عمر السابق: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب فيكون معنى قوله: لا يبكين على هالك بعد اليوم. وقوله:
فإذا وجب فلا تبكين باكية النهي عن البكاء الذي يصحبه شئ مما حرمه الشارع، وقيل: إنه يجمع بأن الاذن بالبكاء قبل الموت والنهي عنه بعده، ويرد بحديث أبي هريرة المذكور قريبا، وبحديث عائشة الذي ذكره المصنف. وبحديث بريدة في قصة زيارته صلى الله عليه وآله وسلم لامه. وبحديث جابر وابن عباس المذكورين في أول الباب. وقيل: إنه يجمع بحمل أحاديث النهي عن البكاء بعد الموت على الكراهة، وقد تمسك بذلك الشافعي فحكى عنه كراهة البكاء بعد الموت، والجمع الذي ذكرناه أولا هو الراجح. قوله: قالوا وما الوجوب الخ في رواية لأحمد: أن بعض رواة الحديث قالوا: الوجوب إذا دخل قبره، والتفسير المرفوع أصح وأرجح.