والاستثناء منقطع في قوله: إلا أن تفعلوا، معناه لكن إن فعلتم معروفا من الوصية يعرف صوابه فهو حسن ولا يجوز أن تكون القرابة مشركين لقوله: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وقد أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابات الكفار وعندنا أن ذلك جائز للوالدين والولد، و " من " يحتمل أمرين: أحدهما أن تكون دخلت لأولي أي بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والثاني أن يكون التقدير وأولى الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث.
فصل:
ويدل على ذلك أيضا عموم قوله تعالى: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، فظاهر الخطاب يقتضي تحريم تمني ما فضل الله به بعضا على بعض فلا يجوز لرجل أن يتمنى إن كان امرأة ولا للمرأة أن تتمنى لو كانت رجلا بخلاف ما فعله الله تعالى، لأنه تعالى لا يفعل من الأشياء إلا ما هو الأصلح فيكون تمني ما يكون مفسدة.
ثم اعلم أن الله أخبر عن أحوال المؤمنين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وعن أحوال الأنصار بقوله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا، فقال: أولئك - يعني المهاجرين والأنصار - بعضهم أولياء بعض، ثم أخبر عن الذين آمنوا ولم يهاجروا من مكة إلى المدينة فقال: ما لكم من ولايتهم من شئ.
قيل: نفى ولاية القرابة عنهم لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الرحم في قول ابن عباس، وقيل: إنه تعالى نفى الولاية التي يكونون بها يدا واحدة في الحل والعقد فنفى عن هؤلاء ما أثبته للأولين حتى يهاجروا، وقيل: نسخ ذلك بقوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.
ثم قال: والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام