طاهرا، إلا أنه عده غير مطهر، وهذا معلوم من مذهبه وقوله على ما بيناه، وحجته إن هذا ماء مستعمل في إزالة نجاسة حكمية.
ثم قال في مبسوطه ما هذا حكايته: الماء المستعمل على ضربين: أحدهما ما استعمل في الوضوء وفي الأغسال المسنونة، فما هذا حكمه يجوز استعماله في رفع الأحداث، والآخر ما استعمل في غسل الجنابة والحيض، فلا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإن كان طاهرا، فإن بلغ ذلك كرا زال حكم المنع من رفع الحدث به لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة وإن كان أقل من كر كان طاهرا غير مطهر، هذه ألفاظ الشيخ أبي جعفر رحمه الله بعينها لا زيادة فيها ولا نقصان. (1) ألا ترى أن هذا الماء المستعمل في الطهارة الكبرى عنده غير رافع للأحداث، ثم قال: فإن بلغ ذلك كرا زال حكم المنع من رفع الحدث به قال:
لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة، فأتى باللام المعللة التي معناها لأجل أنه، فكان عنده قبل بلوغه الكر غير رافع، فلما بلغ الكر صار رافعا للحدث، وزال بالبلوغ عنه المنع من رفع الحدث، فانظر أيها المعتبر وتأمل، هل صيره مطهرا رافعا للحدث شئ سوى المبلوغ المحدود بالكرية فيلزمه على قود الاستدلال والتعليل والالتزام منه أن يحكم في الماء النجس القليل غير متغير الأوصاف بنجاسة أنه غير رافع للنجاسة الحكمية والعينية، وكذا يقول: ونقول فإذا بلغ الكر زال حكم المنع من رفع الأحداث وإزالة النجاسات به، وإلا فما الفرق والفاصل بينهما مع البلوغ كرا؟
فإن خطر في الخاطر ولاح خيال وسراب ونهض مقعد فقال: الفرق بينهما واضح، وهو أن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى الذي لم يبلغ كرا طاهرا، لكنه غير مطهر، والماء النجس الذي هو أقل من الكر غير طاهر ولا مطهر، فقد افترقا من هذا الوجه.