ولا يعلم ولا يجمع ولا يختلف حتى يكون الإنفاق عليه من ماله ألذ عنده من الإنفاق من مال عدوه، ومن لم يكن نفقته التي تخرج من الكتب، ألذ عنده من إنفاق عشاق القيان (1)، والمستهترين بالبنان لم يبلغ في العلم مبلغا رضيا، وليس ينتفع بإنفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسه باللبن على عياله، وحتى يؤمل في العلم ما يؤمل الأعرابي في فرسه ولأن سخاء النفس بالإنفاق على الكتب دليل على تعظيم العلم، وتعظيم العلم دليل على شرف النفس، وعلى السلامة من سكر الآفات.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قيدوا العلم بالكتابة (2) فحداني ما حكيته، وبعثني ما أوردته على أن أجيل قدحي في ربابتهم، وأقتفي أثر جماعتهم.
واعلم أبقاك الله وأيدك بالتوفيق، أنه ليس لمن أتى في زماننا هذا بمعنى غريب وأوضح عن قول معيب، ورد شاردة خاطر غير مصيب، عند هؤلاء الأغمار الأغفال، وذوي النزالة والسفال، إلا أنه متأخر محدث، وهل هذا لو عقلوا إلا فضيلة له، ومنبهة عليه، لأنه جاء في زمان يعقم الخواطر، ويصدي الأذهان، ولله در المتنبي حيث يقول:
أتى الزمان بنوه في شبيبته * فسرهم وآتيناه على الهرم ولقد أحسن الحيص في قوله في هذا المعنى:
تفضلون قديم الشعر عن سفه الفضل في الفضل لا في العصر والدار وقال المبرد: ليس بقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان العهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل واحد منهما ما يستحق، فالعاقل اللبيب الذي يتوخى الإنصاف فلا يسلم إلى المتقدم إذا جاء بالردى لتقدمه، ولا يبخس