ملهي، وبزاجر مغري، وبناسك فاتك، وبناطق أخرس، وبمؤنس لا ينام إلا بنومك، ولا ينطق إلا بما تهوى، آمن من في الأرض، وأكتم للسر من صاحب السر، وأضبط لحفظ الوديعة من أرباب الوديعة.
وقال ذو الرمة لعيسى بن عمر اكتب شعري: فالكتاب أعجب إلي من الحفظ، إن الأعرابي ينسى الكلمة وقد سهرت في طلبها ليلة، فيضع في موضعها كلمة في وزنها، ثم ينشده الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلاما بكلام.
قال والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك والمستميح الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب، والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بيانك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، والكتاب هو الذي يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر، لا يقبل بنوم، ولا يعتريه كلال السهر.
قال: قال أبو عبيدة: قال المهلب لبنيه في وصيته: يا بني لا تقوموا في الأسواق إلا على زراد (1) أو وراق.
قال: وحدثني صديق لي قال: قرأت على شيخ شامي كتابا فيه مآثر غطفان فقال لي: ذهبت المكارم إلا من الكتب.
قال: وسمعت الحسن اللؤلؤي يقول: غبرت أربعين سنة ما قلت ولا بت إلا والكتاب موضوع على صدري، قال: والإنسان لا يعلم حتى يكثر سماعه،