وما نالها لذلك من الاضطراب واستبد مشيخة كل بلد بأمره ثم انفرد واحد منهم بالرياسة وكان محمد بن بهلول من مشيخة توزر هو القائم فيها والمستبد بامرها كما سنذكره ولما نزعت الدولة إلى الاستبداد وأرهف السلطان حده للثوار وعفى على آثار المشيخة بقفصة وعقد لابنه الأمير أبى العباس على بلاد قصطيلة وأنزل بقفصة فأقام بها ممهدا لامارته ومرددا بعوثه إلى البلاد اختبارا لما يظهرون من طاعته وزحف حاجبه أبو القاسم من عتو سنة بالعساكر إلى نفطة ابتلاء لطاعة رؤسائها بنى مدافع المعروفين ببني الخلف وكانوا اخوة أربعة استبدوا برياستها في شغل الدولة عنهم فسامهم سوء العذاب ولاذوا منه بجدران الحصون التي ظنوا أنها مانعتهم وتبرأت منهم الرعايا فأدركهم الدهش وسألوا النزول على حكم السلطان فجذبوا إلى مصارعهم وصلبوا على جذوعهم آية للمعتبرين وأفلت السيف عليا صغيرهم لنزوعه إلى العسكر قبل الحادثة فكانت له ذمة وافية من الهالكة فانتظم الأمير أبو العباس بلد نفطة في مملكته وجدد له العقد عليها أبوه وتملك الكثير من نفزاوة ولما استبحث نفطة ونفزاوة سمت همته إلى ملك توزر جرثومة الشقاق وعش الخلاف والنفاق وخشى مقدمها محمد بن بهلول عيث حاله فذهب إلى مصانعة قائد الدولة محمد بن الحكيم بذات صدره فتجافى عنه إلى أن كان مهلكهما في سنة واحدة واضطرب أمر توزر وتواثب بنوه واخوته وقتل بعضهم بعضا وكان أخوه أبو بكر معتقلا بالحضرة فأطلقه السلطان من محبسه بعد أن أخذ عليه المواثيق بالطاعة والجباية ومضى إلى توزر فملكها وطالبه الأمير أبو العباس صاحب قفصة وبلاد قصطيلة بالانقياد الذي عاهد عليه فنازعه ما كان في نفسه من الاستبداد وصارت توزرشجى معترضا في صدر امارته فخاطب أبا ه السلطان أبا بكر وأغراه به فنهض إليه سنة خمس وأربعين والتقى به ففر عنه وانتهى إلى قفصة وصار الخبر إلى أبي بكر بن بهلول رئيسها يومئذ فأدركه الدهش وانفض من حوله الأولياء وجاهر بطاعة السلطان ولقائه ففر عنه كاتبه وكاتب أبيه المستولي على أمره علي بن محمد المعمودي المعروف الشهرة ولحق ببسكرة في جوار يوسف بن مزنى وأغذ السلطان السير إلى توزر فخرج إليه أبو بكر بن بهلول وألقى إليه يده وخلط نفسه بجملته ثم ندم على ما فرط من أمره وأحس بالنكير من الدولة وانذر بالهلكة فلحق بالزاب ونزل على يوسف بن منصور ببسكرة فتلقاه من الترحيب والقرى بما تحدث به الناس ولما استولى السلطان على توزر وانتظمها في أعماله عقد عليها لابنه الأمير أبى العباس وأنزله بها وأمكنه من رقبتها ورجع السلطان إلى الحضرة ظافرا عزيزا واتصلت أيام ملكه إلى أن هلك على فراشه
(٣٥١)