وحينئذ فنقول: إن الرجوع إلى الكلمات يعطي أعمية محل النزاع، فإن من استدلالات الصحيحي، هو مثل قوله (عليه السلام): " الصلاة معراج المؤمن " (1)، و " الصوم جنة من النار " (2). ومن البديهي أن الصوم الباطل والصلاة الفاسدة ليسا معراجا ولا جنة، وإن كان الفساد ناشئا عن التزاحم أو تعلق النهي أو الرياء مثلا.
كما أن من استدلالات الأعمي - على ما حكي - أن القول بالصحة يستلزم تكرار الدلالة على الطلب فيما إذا قال: " صل " أو " صم " - مثلا - تارة بالهيئة وأخرى بالمادة، وهو مبني على أخذ قصد القربة أيضا في مفهوم الصلاة والصوم على قول الصحيحي، فقد استدل به الأعمي ولم ينكر عليه الصحيحي بأنه خارج عن محل النزاع، إلى غير ذلك من الشواهد التي لعله يقف عليه المتتبع، والأمر سهل.
الرابع: أن المتسالم عليه عند كلا الفريقين: أن أسامي العبادات موضوعة لمعنى واحد - كما يشير إليه جعل ثمرة البحث جواز الرجوع إلى الإطلاقات لنفي اعتبار مشكوك الشرطية أو الجزئية على أحد القولين دون الآخر - فلا بد على كلا القولين من تصوير جامع كان هو المراد بلفظ العبادة.
وفي الكفاية ما حاصله: أن تصويره على القول بالصحيح سهل، فإن المستفاد من الأدلة أن جميع مصاديق الصحيح مشترك في ترتب أثر واحد عليه، مثل كونها " معراج المؤمن "، و " جنة من النار " ونحوهما، ووحدة الأثر تكشف عن وحدة المؤثر، بقاعدة " أن الواحد لا يصدر إلا عن الواحد "، فجميع المصاديق فرد لكلي واحد هو المؤثر باتحاده مع الأفراد لذلك الأثر الواحد، وهو المراد بلفظ " الصلاة " و " الصوم " ونحوهما، وإن كنا لا نعرفه بجميع مقوماته، وبعد فرض اتحاد هذا المعنى الكلي مع المصاديق فالشك في جزئية شئ أو شرطيته للعبادة مجرى للبراءة كما لا يخفى (3). انتهى.