للبعث في الاستقلال، فها هنا حيث إن المطلق والمقيد عنوانان، فلا محالة يتعدد الأمران حسب تعددهما، كما عرفت.
هذا كله بالنسبة للوجه الأول.
وأما الوجه الثاني: فلأن الأمر بالمقيد إنما يقتضي وجوب الإتيان بالمقيد، وأنه لو أتى بالمطلق لما كان كافيا في امتثال أمر المقيد، وأما أن يقتضي عدم الرضا وعدم الاكتفاء بإتيان المطلق ولو في مقام امتثال تكليف آخر فلا، وحينئذ فحيث إن أمر المطلق يقتضي وجوب الإتيان بالمطلق، ولولا في ضمن المقيد، فلو أتى به في ضمن غير المقيد صح الاكتفاء به في امتثال الأمر بالمطلق، كما لا يخفى، فإذا لا طريق لكشف وحدة التكليف.
ثم إنه لا فرق في ما ذكرنا من عدم التنافي بين المطلق والمقيد بين ما إذا كان متعلقهما صرف الوجود أو مطلق الوجود، كما إذا قال: أكرم العالم، وقال أيضا أكرم العالم الهاشمي، غاية الأمر أن ذكر القيد يكون لكمال عناية به أو لغير ذلك.
كما لا فرق فيه بين الأوامر المحمولة على الوجوب، والأوامر الاستحبابية، فإنه في المستحبات أيضا إذا علم أن المطلق والمقيد في مقام إفادة حكم واحد، فلا محالة يكون موضوع الحكم الواحد واحدا فيقع التنافي بين المطلق والمقيد ويجمع بينهما بما مر من حمل المطلق على المقيد، وهذا بخلاف ما إذا لم يعلم ذلك، فإن اختلاف المتعلق يوجب ظهور الكلام في أمرين مستقلين، ولا منافاة بين الأخذ بهما - كما عرفت - في الواجبين.
ومما ذكرنا أيضا يظهر الكلام في المنفيين، فإن الواجب الأخذ بكل من المطلق والمقيد، بلا منافاة بينهما، إلا إذا أحرزت وحدة الحكم المذكور فيهما فيجمع حينئذ بينهما، كما مر.
وهكذا الكلام في الأحكام الوضعية، فإذا قال: " لا تصل في ما لا يؤكل لحمه "، وقال أيضا: " لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه "، اخذ بكلا المطلق والمقيد ولا منافاة، ويكون ذكر خصوص الوبر لخصوصية ذكره في مقام ابتلاء المخاطب -