وبعد ذلك فنقول: إن جميع ما يعتبر عندهم من هذه المقدمات لانعقاد هذا الظهور الإطلاقي إنما هو المقدمتان الأولتان، ولا دخل لوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب ولا لعدمه، في انعقاد الظهور المذكور أصلا، فإذا تمت المقدمتان انعقد للكلام ظهور في الإطلاق، ولا يضر به وجود القدر المتيقن في مقام الخطاب، كما لا يضر به القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب اتفاقا، والدليل القاطع عليه هو بناء العقلاء وفهم العرف، الذي هو المحكم في كشف الظهورات.
وثانيا: أنه لو سلمناه فإنما يجري في الاطلاقات الشمولية، إذ فيها أمكن أن يقال: إنه لو كان تمام مراده هو القدر المتيقن في مقام الخطاب - كأن كان السؤال عن البيع بالعقد العربي، فقال: البيع حلال - لكان ثبوت الحكم في هذا المتيقن مسلما، فقد بينه المتكلم، وهو مانع عن انعقاد الإطلاق بالنسبة لما زاد عليه من الأفراد، وأما إذا كان الإطلاق بدليا، فلو كان تمام مراده بعض المصاديق المتيقن في مقام التخاطب، لكان الطريق الوحيد العقلائي لبيان تمام المراد تقييد المعنى الكلي بالقيد المختص بهذا البعض، مثلا، إذا كان تمام مراده عتق فرد واحد من الرقبات المؤمنة، وكان القاؤه في صورة الإطلاق لا العموم، لما كان محيص من مثل قوله: " أعتق رقبة مؤمنة " فلو لم يصرح بهذا التقييد بل قال: " أعتق رقبة " لما أفاد كون عتق الرقبة المؤمنة قدرا متيقنا في مقام التخاطب، إلا أن امتثال هذا التكليف في ضمن الرقبة المؤمنة مجز قطعا، وأما أنه مراد المتكلم والمولى فلم يبينه المتكلم أصلا، لا بعنوان بيان تمام المراد، ولا بعنوان أنه تمام المراد.
وقد يورد عليه ثالثا: كما في تقريرات السيد العظيم البروجردي (قدس سره) (1) وكلمات سيدنا الأستاذ (2) - دام ظله - بابتناء اعتبار المقدمة الثالثة على مبنى المشهور، من أن المطلق بعد جريان مقدمات الإطلاق يكون عاما، قد بين حكم جميع أفراد المعنى ومصاديقه. لكنه خلاف التحقيق، بل عليه أن معنى كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ليس إلا أنه في مقام بيان أن نفس الطبيعة تمام موضوع