حكم الإسلام ثابت بثبوته ويبقى ببقائه، ولا محالة يكون النسبة بين مجموع مفادهما العموم والخصوص المطلق، أحدهما: يدل على أن حكم الإسلام وجوب اكرام العلماء، والآخر: على أن حكمه عدم وجوب فساقهم، فكما أنهما لو وردا في كلام واحد متصل كان الخاص قرينة على تخصيص العام، فهكذا الأمر إذا ورد أحدهما منفصلا عن الآخر، بلا فرق في ذلك بين أن يكون الخاص هو المتقدم أو العام، ولا بين ورود المتأخر قبل حضور وقت العمل بالمتقدم أو بعده، كما عرفت، ومنه يظهر الخلل الموجود في كلمات الأعلام في المقام، فراجع.
ثم إن معنى التخصيص أيضا - كما مر - هو إخراج مورد الخاص عن حكم العام من أول الأمر، فيعلم به أن حكم الإسلام من أول الأمر كان هو مفاد الخاص في الموضوع المأخوذ في الخاص، وأن شمول عنوان العام له كان شمولا ظاهريا خياليا، قد تبين خلافه بقرينة الخاص، وإلا فإرادة المولى من أول الأمر وجده كان في موضوع الخاص مطابقا لما تضمنه الخاص من الحاكم، ولم يكن موضوعه في واقع إرادته وجده محكوما بحكم العام أصلا، وإن تخيل ذلك اغترارا بظهور العام، ومن المعلوم أن قوام الحكم بإرادة المتكلم وجعله للحكم واقعا، لا بخيال المخاطب وظنه، وإن كان على خلاف الواقع.
فما في بعض الكلمات من وجود الحكم الظاهري في موضوع الخاص المتأخر، قبل صدوره، مبني على الخلط بين الإرادة الواقعية لحكم ظاهري - وبها قوام الحكم الظاهري - وبين تخيل ظاهري لشمول الإرادة لمورد تبين خلافه - كما في ما نحن فيه - والله العاصم.